تصنيفات المقال:
العقيدة الإسلامية
تاريخ النشر: 7 رجب 1436هـ الموافق 25 أبريل 2015م
عدد الزيارات: 8847
في قول الله عز وجل: ( فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ )[المائدة:52] ما هو الفتح؟ وما هو الأمر؟ وهل بينهما فرق؟ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ .
(أن يأتي بالفتح): أن نظهر عليهم، ونستبيح بيضتهم، فإن لم يكن هذا الفتح، (أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) يدمرهم مكانهم بغير كسب منك، كما فعل الله عز وجل فيهم يوم الأحزاب (وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا) [الأحزاب:25]( أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ) : يعني: ما خطر لك على بال، ولا دخل في حسابك.
والفتح: كسب منك، والله عز وجل يظفرك به ويظهرك عليه. وإذا نظرت إلى حال الصحابة الأوائل، وجدت أن كلا الأمرين قد تحقق، الصحابة خرجوا من ديارهم وأموالهم.وقصة جالوت وداود وطالوت، لما اشتكوا لنبيهم ماذا قالوا له؟ قالوا: (وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا) [البقرة:246] ولو كانت وأبناؤنا (بالضم) يعني: نحن وأولادنا خرجنا وتركنا المال والديار، لكن انظر! يقول: أخرجنا من ديارنا وأخرجنا من أبنائنا، فانظر إلى فداحة المصيبة!( أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا؟) [البقرة:246] .
الولد قرة عين الوالد، فهؤلاء الصحابة لما قيل لهم: اخرجوا، تركوا ما بذلوه طيلة أعمارهم من المال والدار وراءهم، وذهبوا إلى مستقبل غير معروف، الصورة غير معروفة على الإطلاق، والنبي صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى الله لم يضمن لهم أكلاً جيداً ولا ملبساً جيداً، وما تكلم عن هذه قط، ولكنه وعدهم الجنة، فإذا بذلت نفسك لله وخرجت من ديارك وخرجت من مالك وخرجت من ولدك أنا لا أعدك بشيء في الدنيا، فلا أعدك بتمكين ولا أعدك بمطعم وشراب بارد، وإنما أعدك إذا مت أن تدخل الجنة، هذه هي دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام.
إذاً: وقود البذل والتضحية هو الإيمان.. لماذا؟ لأن هذه جنة..!( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) [التوبة:111] لم يقل: بأنه يمكن لهم، ولذلك من الغبن الشديد في حقنا: أننا نستعجل التمكين ونستعجل النصر، الرسول عليه الصلاة والسلام قال له الله عز وجل: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) [هود:112] .
أما مسألة أن يمكن لك أو يمكن لابنك أو يمكن لحفيدك أو لا يمكن إلا للجيل القادم بعد زمن طويل.. هذه مسألة في علم الله عز وجل، المطلوب منك أن تستقيم، أما الوعد بالتمكين فلا، لا نعد بالتمكين إلا إذا أقمنا العبودية، فإن الله عز وجل وعدنا بذلك، لكن لا تقل: أنا فعلت، فلم لم يمكن لي؟!الصحابة لما خرجوا وتركوا أموالهم، ما الذي حصل؟ الله عز وجل أباح لهم رافداً إلى يوم القيامة، نحن نعيش على خيره لو رجعنا إلى الجهاد، كم أُخذ منهم من المال تقريباً؟ جازاهم بأن أباح لهم الغنائم إلى يوم القيامة، والجزاء من جنس العمل، فعندما ترك الصحابة مالهم لله؛ أباح لهم رافداً لا ينضب، فأباح لهم الغنائم في وقعة بدر، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن الغنائم لم تحل لسود الرءوس غيركم).
فالجهاد مصطلح إسلامي خالص لا يعرف في أي ملة:- يعرف القتال.. الكفاح.. النضال.. أي شيء من هذا الكلام، لكن (الجهاد) كلمة إسلامية خالصة، لم تعرف إلا عن المسلمين.
من ثمار الجهاد:قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إن الغنائم لم تحل لسود الرءوس غيركم) إذاً نحن الأمة الوحيدة المتفردة بحل الغنائم، فنكون قد ضيعنا على أنفسنا خيراً كثيراً على المستوى الاقتصادي بضياع كل هذه الغنائم.الغنائم أباحها الله لنا بعد قصة مطاردة أبي سفيان لما هرب بالعير، والرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يأخذ عير قريش جزاءً وفاقاً، أيأخذون أموال الصحابة، ويحرمونهم من مالهم ونتركهم؟! لا، فعلى الأقل نأخذ هذه العير في مقابل ما أخذوه من مال.
فلما هرب بالمال عوضهم الله عز وجل خيراً من هذه الصفقة برافد إلى يوم القيامة، والتي هي الغنائم، تطبيقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) ، فالشيء الذي نتركه لله محضاً وخالصاً يعوضنا الله خيراً منه فلا تظنن بربك ظن سوء فإن الله أولى بالجميـل ونحن نقرأ في هذه الآية: (فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ) أننا نغلب وننتصر، ونظهر عليهم، ونستبيح بيضتهم، وفي ذلك شفاء لصدور المؤمنين.
إذاً السلاح الماضي لنا هو العبودية..( بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) [الإسراء:5].
بختنصر الذي ظهر على اليهود أول مرة، دخل مرة على البلد فوجد أن هناك دماً يفور على كومة من القمامة، فقال: ما هذا؟ قالوا له: وفق عقيدة ورثناها عن آبائنا فإن هذا الدم سيظل يفور حتى نرويه من دم أعدائنا، هل تعلم أنه لكي يطفئ هذا الدم -كما تقول الروايات- قتل سبعين ألف يهودي وصب دمهم على هذا الدم، قالوا: حتى إنه لم يبق أحد يقرأ التوراة، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) [الأعراف:167] فإذاً لا يعذبهم بعباده المؤمنين فقط، بل بكل الناس.
حتى هتلر النازي كان يشويهم في الأفران شيّاً، وقد ذكرت قبلاً أنهم طلبوا من الرئيس الأمريكي أن يعتذر عما فعل هتلر .. لماذا؟ لأنهم لم ينسوا ضحاياهم، وهم يتحركون بهذه العقيدة، فهل نحن نتحرك بهذه العقيدة، نحن نسينا أن اليهود أعداؤنا، ونسينا أن النصارى أعداؤنا، ونسينا أن المجوس أعداؤنا... كل هذا لأن الجذوة التي تتقد منها عقيدة (الولاء والبراء) ذهبت، وهذه الجذوة هي الإيمان بالله عز وجل، ونحن على يقين أننا سننتصر؛ إذا فعلنا ما أمرنا به من تحقيق العبودية لله عز وجل قال تعالى : ( إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )[محمد:7]..
نسأل الله أن يردنا إلى دينه رداً جميلاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه.