تصنيفات المقال:
الآداب والأخلاق
تاريخ النشر: 7 رجب 1436هـ الموافق 25 أبريل 2015م
عدد الزيارات: 2805
لو أن رجلاً مبتدعاً ينشر بدعة في حيك، فلا تسلم عليه، وإذا كنت تعلم أن إلقاء السلام عليه لا يصده عن بدعته فسلم عليه، وتودد إليه، وأعطه بعض الهدايا، وزره في بيته، وأخبره أن هذا لا يحل، ولا يجوز، وابذل معه كل ما في وسعك، فإذا لم ينفع معه كل ما سبق فلم يبق لك إلا أن تهجره ولا تسلم عليه.
فإذا قيل: إن هذا مسلم، أقول: أنا أعرف أنه مسلم، لكن الرسول عليه الصلاة والسلام لما هجر كعب بن مالك كان كعب يلقي عليه السلام، يقول كعب : ( فكنت أقول في نفسي: هل حرك شفتيه برد السلام أم لا؟ ) والرسول عليه الصلاة والسلام لما أمر المسلمين ألا يكلموا هؤلاء الثلاثة، يقول كعب : ( فلما شق علي هجر المسلمين ذهبت إلى حائط أبي قتادة ، وهو ابن عمي، وأحب الناس إلي، فتسورت الحائط، فوجدت أبا قتادة في بستانه، فألقيت عليه السلام، فوالله ما رد علي السلام،- وأبو قتادة من خيار المسلمين، وكعب من خيار المسلمين، فهذا مسلم مع مسلم، فلا يقال إذاً: إن المسلم لا يجوز هجره أو عدم السلام عليه للمصلحة، لا، يقول كعب : ( فألقيت عليه السلام، فوالله ما رد علي السلام.
فقلت: يا أبا قتادة ! نشدتك الله ألا تعلم أني أحب الله ورسوله؟ فقال: الله أعلم. ففاضت عيناي ).
فمسألة ترك السلام على المسلم مسألة مشروعة، طالما أن فيه المعنى الذي من أجله هجرته.
إذاً: الزجر بالهجر يرفع البدعة من بيننا. ولو علم العصاة أنه لا محل لهم ولا عيش في ديار المسلمين؛ لاستخفوا بعصيانهم وراء الجدر،.
إذاً: هجر أهل المعاصي يقلل من وجود المعصية، وكذلك هجر التعامل معهم أيضاً.فإذا كان هناك رجل غير ملتزم، ويتظاهر بالفسوق والعصيان، وعنده بقالة، أو محل ملابس، فلا تشتري منه، بل اذهب واشتر من عند الملتزم، فإن الملتزم إذا فتح الله عليه سيكفل أسراً جائعة، وسيخرج الزكاة من ماله، فكم من تجار خير فتحوا بيوتاً للفقراء والمساكين، جزاهم الله خيراً، وأسأل الله عز وجل أن ينمي لهم أموالهم، وأن يبارك لهم فيها، فإذا قصدنا أحد هؤلاء التجار لكي يكسي عرياناً، أو يطعم جائعاً، أو يكفل أسرة فقيرة، فلن يتأخر أبداً.
وعندما تذهب وتشتري من عند رجل ملتزم بضاعة أغلى مما هي عند الرجل الفاسق وتحتسبها لله عز وجل، يبارك لك فيها.
كذلك إذا احتسبت القيمة الزائدة عند هذا الرجل؛ لأنه يزكي ويطعم الفقراء والمساكين، فقد تكون شريكاً له إذا ربح، فإن يد الله عز وجل سحاء، ينفق بالليل والنهار، لا يغيضها شيء، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام.
كذلك من باب أولى اعتزال الصحف والمجلات الخليعة والمنحرفة، إذاً: الأربعون قرشاً سوف تشتري بها ثمانية أرغفة، وسوف تطعم بها أربعة أو خمسة جائعين، وتكون قد ادخرتها لنفسك، فأنفق من مالك فإن أولادك لن ينفعوك إذا لم يكونوا ملتزمين بأمر الله تعالى، إنهم سيختصمون في الميراث وأنت ما زلت جثة ساخنة، وبعد أن تدفن سيرجعون ويقتتلون على الميراث ولن يترحموا عليك.
فينبغي أن تكثر من صدقة السر؛ فإن هذا هو الحساب الجاري الذي ستتركه لنفسك، وعندما تموت سوف تلقى ما أنفقت أمامك، وأنت وحدك الذي ستنتفع به، وبهذا تكون قد تركت لأولادك شيئاً ونفعت نفسك أيضاً.
إذاً: الزجر بالهجر ضرورة شرعية، نحن في أمس الحاجة إليها في هذا العصر، فابنك الذي لا يصلي لا تجلس معه، ولا يأكل معك على مائدة واحدة، ولا تسوي بينه وبين الذي يصلي في الهبة، فالولد الذي يصلي أعطه وأكرمه، والذي لا يصلي لا تعطه؛ لأن عطاءك إنما هو بالموالاة لله عز وجل، فمن كان ولياً لله واليناه، ومن كان عدواً لله عاديناه. وكما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : الولاء والبراء إنما هو على قدر الخير والشر في الإنسان، يوالى بقدر ما فيه من الخير، ويعادى ويهجر على قدر ما فيه من الشر.وإذا عرف ابنك أنك ستطرده، وأنك لن تسامحه على الإطلاق في مسألة ترك الصلاة، فهل سيتمادى؟ لا. إذاً: الزجر بالهجر قاعدة من قواعد الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ينبغي أن نحييها في مجتمعاتنا.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.