تصنيفات المقال:
الآداب والأخلاق
تاريخ النشر: 13 رجب 1437هـ الموافق 21 أبريل 2016م
عدد الزيارات: 4205
إن قلب المرء هو الذي يتحكم في أخلاقه ويكظم انفعالاته ويضبط سلوكه ويهذِّب الشارد من طباعه ، وهل تسكن أخلاق الأمانة والوفاء والصبر والحلم والرحمة والعفو والصدق والعدل بيتا غير القلب؟! ولذا قال الأحنف بن قيس :
ولربما ضحك الحليم من الأذى ** وفؤاده من حرِّه يتأوَّه
ولربما شكل الحليم لسانه ** حذر الجواب وإنه لمُفوَّه
فحُسْن الخلق من حياة القلب ، وسوء الخلق من مرض القلب أو موته ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا ، ولذا فقد كان قلبه أعمر القلوب بالحياة حتى أيقظ قلوب كل من كان حوله في حياته وبعد رحيله.
قال أبو حامد الغزالي :
" القلب خزانة كل جوهر للعبد نفيس ، وكل معنى خطير ، أولها العقل ، وأجلُّها معرفة الله تعالى التي هي سبب سعادة الدارين ، ثم البصائر التي بها التقدُّم والوجاهة عند الله تعالى ، ثم النية الخالصة في الطاعات التي بها يتعلَّق ثواب الأبد ، ثم أنواع العلوم والحكم التي هي شرف العبد ، وسائر الأخلاق الشريفة الخصال الحميدة التي بها يحصل تفاضل الرجال ، وحُقَّ لهذه الخزانة أن تُحفظ وتصان عن الأدناس والآفات ، وتُحرس وتُحرز من السُرَّاق والقُطَّاع ، وتُكرم وتُجَلُّ بضروب الكرامات ، لئلا يلحق تلك الجواهر العزيزة دنس ، ولا يظفر بها -والعياذ بالله- عدو " .
إن قلبا عزيزا يمتلئ بالحزن سوف يرسل الأوامر إلى الوجه ليبتسم حتى لا يعلم الناس ما به من أذى ، فإن علموا ما به ظلَّ متألما بِذُلِّ الشكوى محترقا بنار شفقة الناس عليه ، وهكذا كان قلب العزيز أسامة بن منقذ حين قال :
نافقتُ قلبي فوجـهي ضاحكٌ جذِل ** طلـق وقلبي كئيب مُكْمد باكِ
وراحة القلب في الشكوى ولذتها ** لو أمكنت لا تساوي ذلة الشاكي
إن القلب والباطن هو من يضبط ويتحكم في الجوارح والظاهر ليظهر أمام الناس ما يسمح به القلب فحسب ، ويأذن به ويرضاه ، واسمع مرة ثانية إلى قول أسامة بن منقذ وتمثيله الجميل :
انظر إلى حسن صبر الشمع يُظهِرُ للـ ** رائين نورا وفيه النار تستعِر
كذا الكـريم تراه تـراه ضاحكا جـذِلا ** وقلـبه بدخـيل الغـم منفطر