تصنيفات المقال:
العقيدة الإسلامية
تاريخ النشر: 29 جمادى الآخرة 1436هـ الموافق 18 أبريل 2015م
عدد الزيارات: 3314
حقيقة العبودية
أعلى علامات الحب قاطبة هي العبودية،:وقد درج بعض الناس -لاسيما بين الرجال والنساء- إذا أراد أحدهما أن يعبر عن شدة حبه للآخر، وأنه ليس له بعد الحب مذهب، يقول أحدهما للآخر: أنا أعبدك. هكذا يقولون، والعبادة لا تكون إلا لله عز وجل، مستحق الحمد وحده ومستحق العبودية وحده، لكنهم يعرفون أن أعلى علامات الحب هي العبادة،.
وحقيقة العبادة تنبني على أصلين عظيمين: الأصل الأول: هو كمال الحب، والأصل الثاني: هو تمام الذل، فلا ذل إلا بحب، ولا حب إلا بذل. فإذا وصل العبد إلى درجة العبادة لا يرى لنفسه اختياراً قط؛ لأن هذا ينافي الذل وينافي الحب.
المستحق للعبادة وحده هو الله عز وجل: لأنه وحده هو الذي يحب لذاته، ومن دونه يحب لقربه من الله، لا يحب لذاته لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، إنما نحبهم لقربهم من الله؛ ولأن الله اصطفاهم؛ لذلك أحببناهم وقدمناهم .
العبودية لله.. سلاحنا الوحيد في مقاومة عدونا.
واقرأ مطلع سورة الإسراء يتبين لك هذا الأمر: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا * ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا * وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) [الإسراء:1-6] .انظر! السورة بدأت بالعبودية، وكررت العبودية مرتين: ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ ، ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا ، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا) .
لما تأتي كلمة (عباد) في القرآن مضافة على الله عز وجل، فهي في الغالب تأتي إضافة تشريف، بخلاف كلمة (العبيد) فلم تأت قط إضافة تشريف، وإنما جاءت لوصف العبودية العامة الشاملة على العباد، عبودية القهر، وأن الكل يحتاج إلى الله عز وجل، لكن عبودية التشريف لا تأتي (بعبيد) تأتي (بعباد) (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا) [الإسراء:5].
فالله عز وجل سيبعث على هؤلاء عباداً له قاموا بحق عبوديته، ولا يمنع أن يسلط عليهم من هو أرذل منهم، كما قال تبارك وتعالى: ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ) [الأعراف:167] ، سواء كان مؤمناً أو كافراً.
واستحضروا في العصر الحديث ما فعله هتلر النازي باليهود:حتى إنهم في المؤتمر الأخير طالبوا الرئيس الأمريكي أن يعتذر عما فعله هتلر رسمياً، مع أن الرئيس الأمريكي لا علاقة له بما فعله هتلر ، ولكن هي الآن: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ )[الإسراء:6] ، لماذا؟ لم يعودوا عباداً، فرجعت الكرة عليهم مرة أخرى! ثم حذرهم وقال لهم: ( إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ) [الإسراء:7] إذا ضللتم عباداً سيظل لكم الغلبة والنصر، وتظفرون على عدوكم، وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا [الإسراء:7] ترجع الكرة عليكم مرة أخرى. : (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا) [الإسراء:7-8] أيضاً، إذا سكرتم بخمرة الانتصار، وتجاوزتم حدود الله عز وجل، وعدتم للطغيان بعد أن أظفرناكم على بني إسرائيل؛ عدنا أيضاً لإذلالكم، وعاد بنو إسرائيل ليظهر عليكم مرة أخرى.. وهكذا.
شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كان يقول: (إن الله لينصر الدولة الظالمة إذا كانت عادلة، ويخذل الدولة المسلمة إذا كانت ظالمة) فإن الله لا يحابي أحداً من عباده( إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا).
سلاحنا في مقاومة كل أعدائنا: أن تكون عبداً لله عز وجل، كثير من الناس يسمع هذا الكلام وينفعل، ولكنه لا يغير في بيته شيئاً، ومع ذلك يصرخ في كل مكان، وينادي بالخلافة، وينادي بالحكم.. فمن غير المعقول أن يعجز الرجل عن ضبط بيته ثم يحكم دولة، هذا ليس بالإمكان..! عاجز أن يأمر امرأته أو ابنته بلبس الحجاب الشرعي، أو هو عاجز أن يأمر ولده بالصلاة، ثم يريد أن يحكم دولة.. هيهات،!!هو عن حكم الدولة أعجز.إذاً العبودية هي مفتاحنا إلى النصر، وسلاحنا الوحيد.