تصنيفات المقال:
الآداب والأخلاق
تاريخ النشر: 1 محرم 1437هـ الموافق 15 أكتوبر 2015م
عدد الزيارات: 1836
القلب أمير الجسد وملك الأعضاء ، فهو راعيها الوحيد وقائدها ، وإنما الجوارح والحواس تبع له وآلات تصدع بما تؤمر ، فلا تصدر أفعالها إلا عن أمره ، ولا يستعملها في غير ما يريد ، فهي تحت سيطرته وقهره ، ومنه تكتسب الاستقامة أو الزيغ ، وبين القلب والاعضاء صلة عجيبة وتوافق غريب بحيث تسري مخالفة كل منهما فورا إلى الآخر ، فإذا زاغ البصر فلأنه مأمور ، وإذا كذب اللسان فما هو غير عبد مقهور ، وإذا سعت القدم إلى الحرام فسعي القلب أسبق ، لهذا قال صلى الله عليه وسلم عن المصلي العابث في صلاته : « لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه » ، وقال لمن يؤم من المصلين : « استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم » ، فأعمال الجوارح ثمرة لأعمال القلب ، والخلاصة : القلب هو خط الدفاع الأول والأخير ، فإذا ضعف القلب أو فسد أو استسلم انهارت الجوارح!!
وفي المقابل إذا ذكر العبد ربه فلأن القلب ذَكَر ، وإذا أطلق يده بالصدقة فلأن القلب أذِن ، وإذا بكت العين فلأن القلب أمر ، فالقلب مملي الكلام على اللسان إذا نطق ، وعلى اليد إذا كتبت ، وعلى الأقدام إذا مشت ، وقد عرف النبي صلى الله عليه وسلم للقلب حقه ومكانته حتى وصفه بأنه : « مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله » ، وتوجه أول ما توجَّه إليه ليربّيه ويهتم به ويزكِّيه.
فكل الأفعال مردها إلى القلب وانبعاثها من القلب ، وكل الأفعال تعني كل الأفعال ولو كانت لبس ثيابك وزينة بدنك!! وهذا ما أدركه مستودع القرآن الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فقال : " لا يشبه الزي الزي حتى تشبه القلوب القلوب " .
هدف الحبيب الأول
قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :
« إنما نزل أول ما نزل منه (القرآن) سورة من الُمفصّل فيها ذكر الجنة والنار ، حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أول شيء : لا تشربوا الخمر لقالوا لا ندع الخمر أبدا ، ولو نزل : لا تزنوا لقالوا لا ندع الزنا أبدا » .
فقد حرَّم الله الخمر في العام الثاني من الهجرة أي بعد البعثة بخمسة عشر سنة ، وفرض الزكاة في العام الثاني من الهجرة كذلك ، وفرض الحجاب في العام السادس من الهجرة بعد تسع عشرة سنة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي كلها تكليفات تأخَّر نزولها حتى زكى القلب ولان وتمكَّن منه الحق واستبان.
ولشرف القلب جعله الله أداة التعرف عليه ووسيلة الاهتداء إليه ، بل إذا غضب الله على عبد كان أقصى عقوبة يُنزلها به أن يحول بينه وبين قلبه ، وحيلولته هي أن يحرمه من معرفته وقربه ، لذا كان الاهتمام به تعبير عن الاهتمام بالأهم عن المهم وبالأصل عن الفرع.