تصنيفات المقال:
الآداب والأخلاق
تاريخ النشر: 26 ذو الحجة 1436هـ الموافق 10 أكتوبر 2015م
عدد الزيارات: 1854
ينبغي لكل غافر زلّة، وقابل معذرة، أن يحتسب الأجر عند الله تعالى، ويتذكر ما جاء في ذلك من الفضل العظيم، فمن ذلك قوله تعالى مبيناً صفات عباده المتقين " وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ "(سورة آل عمران الآية رقم (134) ) .
وكظم الغيظ: هو إخفاء الغيظ وعدم إظهاره، فيقال كظم غيظه : أي سكت عنه ولم يظهره قال في القاموس : كظم غيظه يكظمه : رده وحبسه... ويقول ابن كثير في تفسير هذه الآية : أي إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه وعفو مع ذلك عمن أساء إليهم، ويقول سبحانه : " وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ " (سورة الشورى الآية رقم (37) )ويقول سبحانه : " وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ "(سورة الشورى الآية رقم (43) )وغيرها من الآيات كثير.
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا زاده عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»(رواه مسلم ) ، وقال عليه الصلاة والسلام لأشج بن قيس «إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله، الحلم والأناة»(رواه مسلم) والحلم بالكسر قال في القاموس : الأناة والعقل.
ومن المعلوم قصة سعد بن مالك رضي الله عنه، عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه «يطلع عليكم رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار، تنظف لحيته من وضوئه، وقد علق نعليه بيده الشمال، فلما كان من الغد، قال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حالته الأولى، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، فقال للرجل : إني لاحيت أبي فأقسمت أني لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤيني إليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم، قال أنس رضي الله عنه الراوي : فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث ليالي، فلم يره يقوم الليل شيئاً غير أنه إذا تعارّ تقلب على فراشه، ذكر الله عز وجل وكبر حتى صلاة الفجر، قال عبد الله : غير أني لم أسمعه يقول إلا خيراً، فلما مضت الثلاث الليالي وكدت أن أحتقر عمله، قلت : يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجرة ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ثلاث مرات» يطلع عليكم رجل من أهل الجنة فطلعت أنت الثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك، فأنظر عملك، فأقتدي بك، فلم أرك، عملت كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو ما رأيت، فلما وليت دعاني فقال : ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحد من المسلمين غشاً، ولا أحسد أحداً على خير أعطاه الله إياه) وفي رواية : «آخذ مضجعي وليس في قلبي غمر على أحد»( أخرجه أحمد والنسائي) والغمر هو الحقد، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم عندما سئل أي الناس أفضل ؟ فقال :«كل مخموم القلب، صدوق اللسان» قالوا : صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب ؟ فقال : «هو التقي النقي لا إثم فيه ولا بغي ولا حسد»(أخرجه البيهقي في الشعب وابن ماجة ) ومخموم : أي نظيف، وهو من خم يخم، ومن خم البيت إذا كنسه، كما قال السيوطي رحمه الله، ويقول عليه الصلاة والسلام : «ارحموا تُرحموا، واغفروا يُغفر لكم»(أخرجه أحمد والحميدي في المنتخب ) وليعلم أن العفو لا يكون إلا بعد القدرة، فأما من أُسيء إليه وأُوذي وهو غير قادر على أخذ حقه فعفا عنه فهذا لا يسمى عفواً، إنما يسمى عجزاً لأنه بغير إرادته كما قال الشيخ العلامة بن باز رحمه الله عندما سئل عن ذلك، ويقول أيضا عليه الصلاة والسلام: «من كظم غيضاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق حتى يخيره أي الحور شاء»(أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة ) فهل بعد هذا أخي الحبيب يأبى قلبك أن يزيل حقده وغله، وإني لأظن أن أخي بعد هذا يذهب بحقده أدراج الرياح، وهذا الظن بالمسلمين .