السؤال :
ما رد فضيلتكم على ما قيل أن هذا الحديث : "أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة ، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله". يعارض عدة آيات في كتاب الله تعالى منه قوله تعالى : (لا إكْرَاهَ في الدِّيْنِ ) ، ومنها : ( ولَو شَاءَ رَبُّكَ لآَمنَّ مَنْ في الأرضِ كُلَّهُمْ جَمِيعاً أفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يكونوا مُؤْمِنين )، ومنها : ( قُلْ يا أَيُّهَا الكَافِرونَ لا أعْبُدُ ما تْعْبُدُونَ) ، ومنها : ( إنْ عَلَيْكَ إلاَّ البَلاغُ)؟
تصنيفات الفتوى:
الحديث وعلومه
تاريخ النشر: 2015-05-01
عدد الزيارات: 1925
الجواب :
إن الناسَ ثلاثةٌ : مسلمٌ وكافرٌ ومنافقٌ.
فليس المسلمُ هو المقصود بالحديث بداهةً، والمنافقُ ليس داخلاً فيه أيضاً لأنه أظهر الإسلام فلا سبيل لنا عليه، ولما أراد خالد بن الوليد –رضى الله عنه- أن يقتل جدَّ الخوارج الذي قال للنبي –صلى الله عليه وسلم-: اعدل يا محمد. قال له النبي –صلى الله عليه وسلم-: "لا ، لَعلَّهُ أن يكون يُصلِّي" قال خالد : وكم من مُصلٍّ يقول بلسانه ما ليس في قلبه. فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- : "إني لم أومر أن أُنقِّب عن قلوب الناس، ولا أشقَّ بطونهم".
أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث علي بن أبي طالب –رضى الله عنه-.
فلم يبق من أقسام الناس إلا الكافر.
فكلمة : (الناس) في الحديث من العامِّ الذي يراد به الخصوص ، وقد ورد هذا صريحاً فيما رواه أبو داود (2642) ، والنسائي (7/75) ، والدارقطني (1/232) ، والبيهقي (3/92) عن يحيى ابن أيوب ، قال : حدثني حميدٌ أنه سمع أنساً مرفوعاً : "أُمرتُ أن أقاتل المشركين حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ... الحديث".
وجماهير أهل العلم كأبي حنيفة ومالك وأحمد وجماهير أصحابهم: أن الكافر لا يُقتل لمجرد كفره ، ولذلك لا يُقتل الصبيان ، ولا النساء ، ولا الرهبان أصحاب الصوامع ، ولا الزَّمني إلا إذا أعانوا بالقول أو بالفعل ، إنما يُقتل من انتصب لحرب المسلمين ، ومَنَعَ تبليغ الإسلام إلى مَنْ ورائهم وما علمنا قطُّ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أَكْرَهَ أحداً على الإسلام ، أو قتله لمجرد أنه كافر ، بل من سالمه أو هادنه أو دخل معه في حلفٍ كان يكف عنه.
وذهب الشافعي وبعض أصحاب أحمد: إلى قتل كل كافر وجعل العلة الكفر، والقول الأول هو الصواب الذي ينصره الكتاب والسنة.
ويدل على ذلك ما رواه سليمان بن بريدة، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أمَّرَ أميراً على جيش أو سرية أوصاهُ في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيراً. ثم قال: "اغزوا باسم الله ، قاتلوا من كفر بالله ، في سبيل الله اغزوا وتغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليداً ، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال) فأيَّتُهُن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم. ثم ادعهم إلى الإسلام ، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين ، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين ، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيءٌ إلا أن يجاهدوا مع المسلمين ، فإن هم أبوا فسلهم الجزية ، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم، وإذا حاصرت أهل حصنٍ فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله ولا ذمة نبيه ، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك ، فإنكم أن تُخفروا ذممكم وذمم أصحابكم ، أهون من أن تُخفروا ذمة الله وذمة رسوله. وإذا حاصرت أهل حصنٍ فأرادوك أن تُنزِلَهم على حكم الله ،
فلا تنزلهم على حكم الله ، ولكن أنزلهم على حكمك، فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا".
أخرجه مسلم (1731/2-3) وغيره.