السؤال:
مات أبي عصر أحد الأيام ، فأردت أن أعجل بدفنه تبعاً للسنة، فاعترض عليَّ بعض أرحامي ، وقالوا : إن الدفن ليلاً مكروه ، فهل هذا صحيح ؟
تصنيفات الفتوى:
الحديث وعلومه
تاريخ النشر: 2015-05-01
عدد الزيارات: 2015
الجواب :
أن الدفن ليلاً جائزٌ ، كما ذهب إليه عامة أهل العلم ، واستدلوا على ذلك بأحاديث :
منها : حديث أبي هريرة –رضى الله عنه- أن إنساناً كان يَقُمُّ المسجد أسود فمات ـ أو ماتت ـ ففقدها النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال : "ما فعل الإنسان الذي كان يقم المسجد ؟" قال: فقيل له : مات.
قال : "فهلا آذنتموني به ؟ ، فقالوا : إنه كان ليلاً. قال: "فدلوني على قبرها" قال : فأتى القبر فصلى عليها.
قال ثابت عند ذاك ، أو في حديث آخر : "إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها، وإن الله عز وجل ينورها بصلاتي عليهم".
ومنها : حديث أنس –رضى الله عنه- أن أسود كان ينظف المسجد فمات، فدفن ليلاً، وأتى النبي –صلى الله عليه وسلم- فأُخبِرَ ، فقال : "انطلقوا إلى قبره" فانطلقوا إلى قبره ، فقال : "إن هذه القبور ممتلئة على أهلها ظلمة ، وإن الله ينورها بصلاتي عليها" فأتى القبر فصلى عليه، وقال رجل من الأنصار : إن أخي مات ولم تصلِّ عليه. قال : "فأين قبره ؟" فأخبره، فانطلق رسول الله –صلى الله عليه وسلم- مع الأنصاري.
ومنها : حديث جابر –رضى الله عنه- قال : رأى ناس ناراً في المقبرة فأتوها ، فإذا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في القبر، وإذا هو يقول : "ناولوني صاحبكم" فإذا هو الرجل الذي كان يرفع صوته بالذكر.
ومنها : حديث عائشة رضي الله عنها : قالت : ما علمنا بدفن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حتى سمعنا صوت المساحي من آخر ليلة الأربعاء.
ومنها : حديث عائشة رضي الله عنها أيضاً ، قالت : دخلت على أبي بكر –رضى الله عنه- فقال: في كم كفنتم النبي –صلى الله عليه وسلم- ؟ قالت : في ثلاثة أثواب بيض سحولية ، ليس فيها قميص ولا عمامة. وقال لها : في أي يوم توفي رسول الله –صلى الله عليه وسلم-؟ قالت : يوم الاثنين. قال : فأي يوم هذا ؟ قالت : يوم الاثنين.
قال : أرجو فيما بيني وبين الليل ، فنظر إلى ثوب عليه كان يمرض فيه به ردع من زعفران ، فقال: اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيهما. قلت: إن هذا خَلَقٌ. قال: إن الحي أحق بالجديد من الميت ، إنما هو للمهلة، فلم يُتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح.
ومنها : "حديث عائشة رضي الله عنها أيضاً قال : دفن علي بن أبي طالب فاطمة رضي الله عنها ليلاً.
* قلت : فهذه الأحاديث والآثار قاضية بجواز الدفن ليلاً مطلقاً ولكن توقف بعض أهل العلم في هذا الإطلاق وقيدوه بالضرورة ، واحتجوا بما رواه
ابن الزبير : أنه سمع جابر بن عبد الله يحدث ، أن النبي –صلى الله عليه وسلم- خطب يوماً فذكر رجلاً من أصحابه قُبِض فكُفِن في كفن غير طائل ، وقُبِرَ ليلاً ،فزجر النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه ، إلا أن يُضطر إنسان إلى ذلك. وقال النبي –صلى الله عليه وسلم- : "إذا كفن أحدُكم أخاه فليُحسِّن كفنه"..
والصحيح : ما قدمته من جواز الدفن بالليل.
وهو مذهب جماهير العلماء ،:ولم أقف على من كرهه من السلف الأول إلا عن الحسن البصري ، وقد روى الطحاوي في "شرح المعاني" (1/513) عنه ما يدل على أن ذلك لعلة لا مطلقاً.
فرُويَّ عن أشعث ، عن الحسن أن قوماً كانوا يسيئون أكفان موتاهم ، فيدفنونهم ليلاً ، فنهى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عن دفن الليل وهو مرسل كما ترى ، والله أعلم.