تصنيفات المقال:
الزهد والرقائق
تاريخ النشر: 8 رجب 1436هـ الموافق 26 أبريل 2015م
عدد الزيارات: 2787
مات لبعض المتزهدة ولد فجعل يضحك، فقالوا له: أتضحك وقد مات ولدك؟ قال: إني أردت أن أظهر الرضا بقضاء الله عز وجل، فلما أراد أن يظهر الرضا لقضاء الله ضحك في موطن الفتنة والبلاء والحزن.
فأجاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :وقد استشكل بعض القارئين هذه الحكاية، فقالوا: كيف يضحك هذا الرجل لما مات ولده بينما يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أعظم الناس يقيناً؟!.
لو كان الضحك في المصيبة منقبة لفعلها النبي عليه الصلاة والسلام، فكيف يبكي النبي عليه الصلاة والسلام والدموع علامة الجزع ويضحك هذا العابد والضحك علامة الرضا والانبساط؟.
فلما حصل استشكال هذا المعنى، عُرضَ هذا على شيخ الإسلام رحمه الله، فقال: فعل نبينا صلى الله عليه وسلم أكمل من فعل هذا العبد الزاهد؛ لأن لله عز وجل في كل شيء عبودية، وعبودية الله على العباد في وقت المصيبة أن يظهروا الاستكانة والتضرع لقضائه، قال تبارك وتعالى: ( فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا) [الأنعام:43]، يعني: لما وقع البأس عليهم هلا تضرعوا وبكوا واستكانوا، هلا فعلوا ذلك لنرفع عنهم؟ فعبودية المحن الانكسار بين يدي الله، والمحنة من طبيعتها أنها تسخن النفس، فالسخونة تفرز الدمع مباشرةً، والنفس الباردة لا يمكن أن تبكي، ولذلك إذا تحسست الدموع وجدتها ساخنة؛ لا تجد دمعاً باردة.
فالرسول عليه الصلاة والسلام أدى عبودية المحنة، وأدى عبودية الرضا بقضاء الله عز وجل، فقال: (إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن، ولا نقول ما يغضب الرب، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون)، فكانت عبودية النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من عبودية هذا العبد الذي عجز قلبه عن استيعاب عبودية المحنة وعبودية الرضا، فقدم عبودية الرضا -إظهار الرضا- على عبودية قبول البلاء والصبر عليه.
جبر الله كسرنا وكسركم وعفر اللهم لنا ولكم.