تصنيفات المقال:
الزهد والرقائق
تاريخ النشر: 14 رجب 1437هـ الموافق 22 أبريل 2016م
عدد الزيارات: 4020
فمع أن العين مبصرة لما حولها ، لكنها لو رأت مشهدا محرّما فلن يُمكِّن القلب الحي الخواطر منه بحال ، ومع أن الأذن مصغية ؛ لكنه لو كان الحرام لارتعدت وجلا ، وبنت على الفور سدا منيعا وحجابا حاجزا بينها وبين ما يُغضب الله ، وإذا جلس صاحب هذا القلب مجلسا وتسلل إليه الحرام للمحه على الفور وتسلل خارجا في الحال إن لم يقدر على التغيير والمواجهة ، وهذا هو مصدر سلامة هذا القلب وعنوان نقائه. قال تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [ الأعراف : 201 ]
وتأمل قوله ﴿ مَسَّهُمْ ﴾ الدال على إصابة غير مكينة ، وذلك بسبب فزعهم إلى الله ليعصمهم من الشيطان عند ابتداء خواطره ؛ فإن الخواطر ولادة إن أُهملت لم تلبث أن تصير شهوة ، ثم تصير الشهوة إرادة ، ثم تصير الإرادة عزما ، ثم يتحول العزم عملا.
وتأمل قوله ﴿ طَائِفٌ ﴾ وكأن خواطر الشر طافت بهم ، ودارت حولهم فلم تقدر أن تدخل إليهم وتؤثِّر فيهم لقوة قلوبهم ويقظة إيمانهم ، فهم كمن طاف به الخيال ولم يجرؤ على أن يدفعهم إلى الفعال ، والطائف يُطلق على الذي يمشي حول المكان ينتظر الإذن له بالدخول ، فشبَّه الله الخاطر في ابتداء وروده في النفس بحلول الطائف على المكان دون أن يستقر فيه.