تصنيفات المقال:
الزهد والرقائق
تاريخ النشر: 7 رجب 1436هـ الموافق 25 أبريل 2015م
عدد الزيارات: 3653
ابن الجوزي رحمه الله يقول :-( بالله عليك انظر إلى من قضى حياته في التقوى والطاعة ثم عرضت له فتنةٌ في الوقت الأخير كيف نطح مركبهُ الجُرف فغرق وقت الصعود ).
جماعة في مركب ثم رأوا الشاطئ وما هي إلا أمتار ويصلوا إلى المرفأ وينزلوا ثم يصلون إلى دورهم وأهليهم ، قبل أن يصل المركب هذا إلى الميناء أو إلى المرفأ إذا به يصطدم بصخرة عظيمة ( نطح مركبَهُ الجرف ) فغرق في الوقت الذي يستعدون فيه للصعود من السفينة إلى المرفأ ،.
قضى حياته في التقوى والطاعة ثم لا يمكن من النجاة في النهاية ،هناك من الناس من يفتتن في الوقت الأخير ، لذلك كان أهل التقوى يخافون سوء الخاتمة
وكان من دعاء النبي-صلى الله عليه وسلم-:
1- ا(للهم يا مثبت القلوب ثبت قلبي على دينك ).
2-(اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك ).
من القوانين الثابتة قول الله عز وجل:-﴿إنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً) (الكهف30 ).
س: كيف يفتتن من أحسن العمل وقضى حياته في التقوى والطاعة ؟
هناك أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: كحديث سهل بن سعد في الصحيحين وحديث أبي هريرة عند مسلم وحديث أنس – ت – عند البخاري ومسلم وعند الإمام أحمد كلها تدل على هذا المعنى فإذا سلطت هذه الألفاظ بعضها على بعض ظهرت لك الصورة كاملة .
في حديث أنس الذي رواه أحمد وأبو يعلى وغيرهما أن النبي -صلى الله عليه وسلم-:قال ( لا تُعجَبوا من عمل عامل حتى تنظروا إلى مايُختَم له به فإن العبدَ ليعمل العملَ الذي إن مات عليه دخل الجنة فإذا به يعمل بعمل أهل النار فيدخل النار ، يُختم له بعمل أهل النار فيدخل النار ، وإن العبد ليعمل العمل الذي إن عمله دخل به النار فيعمل العمل -أي في آخر حياته -فيدخل به الجنة )،.
وفي حديث أبي هريرة عند مسلم وأحمد وغيرهما قال -صلى الله عليه وسلم-: : (إن العبد ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة حتى إذا كان بينه وبين الموت قِيدَ ذراع أو قال قيد شبر عمل بعمل أهل النار فدخل النار وإن العبد ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار حتى إذا كان بينه وبين الموت قِيدَ ذراع أو قال قِيدَ شبر عمل بعمل أهل الجنة فدخل الجنة فهذه مشكلة وحلها: حديث سهل بن سعد الساعدي وهو عند الشيخين( أن رجلاً كان في غزوةٍ من الغزوات وشهد الصحابة له بالشجاعة ، فلما ذُكِرَ أمرُهُ إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-:قال:- ( هو من أهل النار ) فذهبوا إليه فوجدوه قد جَزَعَ من جراحةٍ ألمت به وضع ذباب سيفه في صدره ثم اتكأ عليه فقتل نفسه ، فلما جاؤوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-: وأخبروه بما فعل الرجل قال:-؛ " إن العبد ليعمل الزمن أو ليعمل العمل من أهل الجنة فيما يبدو للناس حتى إذا كان بينه وبين الموت قيد ذراع أو قال قيد شبر عمل بعمل أهل النار " والعكس صحيح ثم ختم -صلى الله عليه وسلم-: كلامه بقوله ( إنما الأعمال بالخواتيم ).
إذا َحل هذا الإشكال في قوله -صلى الله عليه وسلم-:- " فيما يبدو للناس "
إذا ً عندما يقول ابن الجوزي:- ( انظر إلى من أنفق عمره في التقوى والطاعة ) لابد أن تضع كلمة فيما يبدو للناس كي لا يحدث إشكال أنه كيف قضى حياته في التقوى والطاعة ثم يدخل النار لأن ظاهر فعله التقوى و الطاعة . مثل ذلك : الفنانين والممثلين كل حياتهم عصيان ثم يأتي رمضان مثلاً فيذهبوا لأداء العمرة ثم بعد انتهاء رمضان و مجيئهم من العمرة يرجعوا إلي ما كانوا عليه قبل رمضان .مثال آخر: من ترقص ثم في رمضان تقوم بإعداد أشهي المأكولات للفقراء والمساكين .كان العرب قديماً يقولون :-(ليتها ما زنت ولا تصدقت ).
سفيان الثوري يخشي سوء الخاتمة : كان يخاف من سوء ، الخاتمة لما دخلوا عليه وهو يموت قال له بعض أصحابه لما رآه يبكي ، قال : يا أبا عبد الله أتخشى ذنوبك تخشى ذنوبك ، فتناول تبنة من على الأرض وقال : "والله لذنوبي أهون علي من هذه إنما أخشى سوء الخاتمة "، وتلا قوله تعالى : ﴿ وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ ﴾. (الزمر47).
الخلاصة: فحق على كل عامل أن يخاف على نفسه وألا يعتد كثيرا بعمله بل يجد في العمل ويجد في طلب القربى من الله عز وجل ويتهم نفسه بالتقصير فيدفعه ذلك إلى مزيد من تجويد العمل .
فالله أسأل أن يجعل ما قلته لكم زادا ً إلى حسن المصير إليه وعتاداً إلى يمن القدوم عليه إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد ، والحمد لله رب العالمين .