تصنيفات المقال:
الزهد والرقائق
تاريخ النشر: 5 رجب 1436هـ الموافق 23 أبريل 2015م
عدد الزيارات: 8479
يقول ابن الجوزي –رحمه الله - : ( ومتى اشتد عطشُكَ إلى ما تهوى فابسُط أنامل الرجاءِ إلى من عندهُ الريُ الكامل ، وقل : قد عيلَ صبرُ الطبعِ في سِنِيه العجاف فعجل لي َ العامُ الذي أُغاثُ فيه وأعصِر ) .
يقول :( إذا اشتد عطشُكَ إلى ما تهوى ) ستموت ويقتلك هواك ويغلبك في هذه الجولة وأنت لا تريد أن تقع في هذا الهوى ، (فابسُط أنامل الرجاءِ إلى من عندهُ الريُ الكامل )ألا وهو رب العالمين تبارك وتعالى .
والاستعانة بالله تبارك وتعالى فيها عز الدنيا ابتداء ً وشرف الآخرة انتهاء ً .
وما أجمل ما قاله الفضيل بن عياض – رحمه الله – وهو يكلم رجلاً ويريد أن يضرب له مثلاً لعداوة الشيطان وكيف ينجو ، قال له : ( إذا خرج عليك كلبُ الغنم ماذا تفعل ؟ قال : أرميه بحجر ، قال : فإن رجع إليك ؟ قال : أرميه بحجر ، قال : فإن رجع إليك ؟ قال : أرميه بحجر ، قال الفضيل : هذا أمر يطول ، فقال الرجل : وما العمل يا أبا علي ؟ قال : عليك برب الكلب قل لصاحب الكلب امنع كلبك عني )
وجه الدلالة:يريد الفضيل أن يقول : كلما هجم الشيطان عليك ماذا تفعل .؟لأن الشيطان لا يمل مطلقا ً لأنه قال لرب العزة ﴿ لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصِِين ﴾.
والمفلحين من الناس في الإقبال على الله تبارك وتعالى على نوعين :
1- مخلِص2-ومخلَص :
1-أما المخلِص : فهذا ينهزِم جولة ويهزم جولة وقد ينهزِم عدةَ جولات لكن يُختمُ له في النهاية لكن ملاحات الشيطان عذاب أليم وقد يدركه اليأس والإحباط في كثير من الجولات قد يغويه الشيطان فيفعل كبيرة من الكبائر فيظل قلبُهُ منكسراً طيلة عمرهِ يخشى أن يُؤاخذ بهذه الكبيرة.
وقد رأينا من المخلِصين ، مثلا : من صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- من فعل بعض الكبائر كماعز- ت – لما زنا بالمرأة وأتى النبي -صلى الله عليه وسلم- وقال : إني أصبتُ حدا فحاول النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يدرأ الحد عنه ، قال : لعلك قبلت ، لعلك لمست ......الخ قال : لا ، بل زنيت . فأمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- فرُجِم ، فرآه النبي -صلى الله عليه وسلم-بعدما رجم ، رآه يسرح في الجنة حيث يشاء .
وكذلك المرأة الغامدية التي زنت: ( التي زنا بها ماعز )" وقالت له لعلك تريد أن ترددني كما رددت ماعزاً إنها والله حبلى من الزنا "فانظر حتى المرأة استخدمت ضمير الغائب لم تقل أنا حبلى من الزنا ولكنها قالت إنها والله حبلى من الزنا ، لأن الزنا عار "فقال : لا حتى تلدي ولدت ، قال : لا حتى ترضعيه ، رضع قال : حتى تفطميه فانفطم .فجيء بها وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- برجمها ، فسبها خالد بن الوليد لما ضربها بحجر على رأسها فانبجس الدم من رأسها فوصل إلى ثياب خالد فلعنها خالد فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-( والله لقد تابت توبةً لو قُسِمت على سبعين من أهل المدينةِ لوسعتهم كيف وقد جادت بنفسها لله عز وجل ).
الإنسان المخلِص ممكن يفعل كبيرة من الكبائر وتكون هذه الكبيرة هي رائده إلى الجنة.
رُبَ معصيةٍ أورثت ذلاً وانكساراً
|
ورب طاعةٍ أورثت عزاً واستكباراً
|
وجه الدلالة :قد يفعل الإنسان المعصية فلا يزال يخاف منها ويضعها أمامه ويعمل من الأعمال الصالحات حتى يبرأ من إثم هذه المعصية فلا يزال يتقلب من طبقٍ إلى طبق ومن مرحلةٍ إلى مرحلة حتى يلقى الله عز وجل وهو في ارتفاع بخلاف الذي يطيع دائما فقد يُدل بعمله ويتصور أنه ما عصى الله تبارك وتعالى فينطح مركبه الجرف فيغرق وقت الصعود كما سنذكره بعد ذلك إن شاء الله تعالى
وأما المخلَص : فهذا لا يقدر الشيطان عليه ،( المخلَص )هو من أخلصه الله لنفسه فقد أحاطه برعايته وعنايته .
فأنت إذا شعرت بهجير المشتهى ولم تستطع أن تدفع ذلك عنك فعليك بمن عنده الري الكامل وهو رب العالمين تبارك وتعالى .
(ابسُط أناملَ الرجاء ) وأنت في هجير المشتهى ما يصلح أن تصطصحب الترهيب ، لأن سوط الترهيب قد لا يمنعك بل يقنعك سوط الرجاء وهذا يختلف من شخص إلى آخر هناك عبدٌ إذا ذكر النار امتنع ، وهناك عبدٌ إذا ذكر نظر الله إليه حجبه الحياء على حسب ما عندك من التعظيم لله عز وجل ، هل الترغيب هو الذي يمنعك؟ أو الترهيب هو الذي يمنعك ؟
(لكنك إذا اتجهت بقلبك إلى من عنده الري الكامل أورثك إما كراهية الذي ستقبل عليه).
مثال ذلك : كالذين ينهمكون في طلب الدنيا بما يزيد عن حاجتهم بأضعاف مضاعفة من الذين يجمعون من الأموال المليارات ولا ينظرون أيجمعونها من حلال أم من حرام كالذين يجتهدوا في أكل أموال الناس بالباطل في البورصة.
نصح الشيخ( حفظه الله) لمن يأكل مالاً من حرام:أريد أن أقول لهؤلاء الذين يفعلون هذا أو يفعلون غيره من المحرم في جمع الأموال ، هذه الأموال إلى من تتركها ؟! تتركها لمن لن يترحم عليك وتسأل عن كل ماتنفقه فيها .
إذا ما وظيفة المال ؟قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم ) يقول ابن آدم مالي مالي فقال عليه الصلاة والسلام : ( وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأبقيت (.
وقال -صلى الله عليه وسلم- ( من بات آمناً في سربهِ عندهُ قوتُ يومهِ فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها ).
(كل ما شئت فلن تملأ أكثر من معدتك والبس ما شئت فلن تواري أكثر من جسدك هذه الدنيا ).
نصيحة الشيخ (حفظه الله) لمن يقبل علي الدنيا يأخذها من حل ومن حرام:حديث أبي بن كعب -ت -( الذي رواه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند ، ورواه بن حبان والحسين المروزي في زوائد زهد ابن المبارك ، وابن أبي عاصم وغيرهم من أهل العلم ) قال -صلى الله عليه وسلم- : " ضرب الله مطعم ابن آدم مثلا للدنيا لأن قزحه وملحه فانظر إلى ما يصير "
وجه الدلالة: تريد أن تعرف ماهي الدنيا انظر إلى طعامك لأن قزحته (وضعت عليه التوابل ) انظر إلى ما يصير هذا الطعام الذي أكلته وأنت بغاية الشهوة .
فالدنيا هكذا إذا أقبلت على المرء وهبته محاسن غيره وإذا أدبرت عنه سلبته محاسن نفسه .
فالله أسأل أن يجعل ما قلته لكم زادا ً إلى حصن المصير إليه وعتاداً إلى يمن القدوم عليه إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله وبارك على نبينا محمد ، والحمد لله رب العالمين .
* * *