تصنيفات المقال:
الزهد والرقائق
تاريخ النشر: 3 رجب 1436هـ الموافق 21 أبريل 2015م
عدد الزيارات: 4141
إن للشيطان خطوات للإيقاع بالإنسان، إذ يبدأ بتهوين الصغائر في نفسه، ثم يقوده إلى الكبائر، ثم إلى الكفر والعياذ بالله، ولقد حذر الله منه وبين أنه عدو مضل مبين يجب الحذر منه، والكبائر هي كل وعيد ختمه الله بنار أو بعذاب أو بلعنة أو بغضب، وأما الصغائر فقد حذر الله عز وجل منها أيضاً، ولكنها أخف من الكبائر، وبين الشارع أنه لم ينج من اقترافها أحد، فما من رجل يقع بجهل أو هوى في الصغائر فيعترف بذنبه ويتوب إلا تاب الله عليه.
قال الله تبارك وتعالى: (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ)[النجم:32] (اللمم): ما يلم بك مما لا تستطيع دفعه، فيقع المرء فيه إما بجهل وإما بهوى.
و(اللمم): الصغائر. والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (كل ابن آدم خطاء) فأنت لا تنفك عن ذنب أبداً، لابد أن تقع في الذنب، فاجتنب الكبائر، فإذا وقعت في الصغائر بجهل أو هوى غفر الله لك؛ لأنه قال بعد ذلك: (إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ )[النجم:32] أي: أنه لم يسوِ اللمم بالكبائر، (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ )[فاطر:45]، إذ كل ابن آدم خطاء، فلابد أن يصيب ذنباً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: أذنب عبدي ذنباً، فقال: رب! إني أذنبت ذنباً، فاغفر لي.
فقال الله عز وجل: علم عبدي أن له رباً يأخذ بالذنب؛ غفرت لعبدي. ثم أذنب ذنباً، فقال: رب! إني أذنبت ذنباً، فاغفر لي. فقال الله عز وجل: علم عبدي أن له رباً يأخذ بالذنب؛ غفرت لعبدي، ثم أذنب ذنباً، فقال: رب! إني أذنبت ذنباً فاغفر لي. فقال الله عز وجل: علم عبدي أن له رباً يغفر الذنب؛ غفرت لعبدي فليفعل ما شاء) أي: ليس إذناً أن يفعل ما يشاء؛ لكنه طالما يعترف أنه مذنب، ولا يجحد أنه عاصٍ، ويرجع إلى ربه؛ فإن الله أكرم من أن يبقي الذنب عليه بعد اعترافه.فهذا الحديث من جملة أحاديث كثيرة تبين أن العبد لابد أن يقترف الذنب.
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: (ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قاله أبو هريرة رضي الله عنه: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، فهو مدركه لا محالة) لابد أن يأخذ حظه من الزنا، قال: (فالعين تزني وزناها النظر، واللسان يزني وزناه النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه).
وفي حديث أبي هريرة عند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كتب على ابن آدم حظه من الزنا، فهو مدركه لا محالة: فالعينان تزنيان وزناهما النظر، والأذنان تزنيان وزناهما الاستماع، واللسان يزني وزناه النطق، واليد تزني وزناها البطش، والرجل تزني وزناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه) .
فاللمم الذي أشار إليه ابن عباس : كل شيء ما عدا الفرج. هذا هو اللمم الذي لابد أن يقع فيه ابن آدم، من الذي لم ينظر إلى ما حرم الله؟ من الذي لم يتكلم بما يغضب الله؟ من الذي لم تسمع أذنه إلى ما حرم الله من الغيبة والنميمة والتجسس؟ من الذي ما ضرب ظلماً؟ من الذي ما خطا برجله إلى معصية؟ من الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط فهذا كله من اللمم.
فإذا وقع العبد في زنا الفرج سمي زانياً، ولا يسمى زانياً -أي: الذي يوجب الحد الشرعي كالجلد والرجم وغيرهما- إذا نظر إلى المحرمات، ولا يسمى زانياً إذا بطش، إنما يسمى زانياً شرعاً وعرفاً إذا صدق الفرج ذلك، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من أحسن في الجاهلية فأسلم أعطاه الله عز وجل أجره مرتين، ومن أساء عوقب بالأول والآخر) فالفرج هو الذي يصدق ذلك أو يكذبه؛ ولذلك كان الفرج هو الكبيرة، وكل ما عدا ذلك من مقدماته فهو اللمم.وفي الحديث الصحيح (أن رجلاً قابل امرأة في الطريق، ففعل معها كل شيء إلا الجماع، فبينما هو يمشي إذ دخل في حائط، فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني فعلت كذا وكذا، فسكت عليه الصلاة والسلام حتى نزل قوله تبارك وتعالى: وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ [هود:114] فقال: يا رسول الله! أهذه لي أم للمسلمين عامة؟ قال: بل للمسلمين عامة).
فما من رجل يقع بجهل أو هوى في شيء من اللمم فاعترف بذنبه وتاب؛ إلا تاب الله عز وجل عليه، فهذا وعد الصدق الذي وعدنا ربنا تبارك وتعالى، وهو الذي يقبل التوبة عن عباده.