تصنيفات المقال:
التاريخ والقصص
تاريخ النشر: 3 رجب 1436هـ الموافق 21 أبريل 2015م
عدد الزيارات: 4828
(الفرق بين محنة إلقاء يوسف عليه السلام في الجب وبين مراودة امرأة العزيز عن نفسه).
فلما شب يوسف عليه السلام وترعرع في بيت العزيز وظهر كرجل بدأت المحنة الأخرى التي هي أشد من الأولى لما راودته امرأة العزيز عن نفسه هذه المحنة كان ليوسف إرادة في المحنة الثانية ، في المحنة الأولى لم يكن له إرادة في هذا البلاء هذا بلاء تام ليس له فيه اختيار صبي صغير ألقي في قعر جب .
لكن المحنة الثانية والتي ارتقى بها يوسف عليه السلام هي المحنة التي كانت له فيها إرادة لما راودته امرأة العزيز عن نفسه.
وكل المقتضيات وكل الظروف كانت مهيأة أن يقع يوسف عليه السلام في الفاحشة :
الأولي: كان مملوكاً"والمملوك يفعل ما يأنف منه الحر سواء كان رجلاً أو كانت امرأة.
مثلاً الزنا عند العرب قديما: قبل أن يُبعث النبي-صلى الله عليه وسلم- فيهم كان عاراً على المرأة الحرة. ولذلك لما جاءت هند بن عتبة امرأة أبو سفيان تبايع النبي-صلى الله عليه وسلم- مع النسوة فبايعهن علي ألا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين فقالت هند بن عتبة للنبي-صلي الله عليه وسلم-يا رسول الله أو تزني الحرة ؟ هذا كان عاراً ما كان الزنا إلا في الإماء كما قال تعالى : (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) .......( النور33)بل المرأة الحرة ما كانت تعرض نفسها .
في حديث أنس بن مالك ت قالت حدث مرةً وابنته معه فقال( إن امرأةً أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- وسلم فقالت يا رسول الله إني وهبت نفسي إليك فقالت ابنة أنس وسوأتاه أو تعرض الحرة نفسها فقال لها أنس هي خير منك عرضت نفسها على النبي -صلى الله عليه وسلم- .
يقبح للمرأة الحرة أن تعرض نفسها على الرجل إلا إن يكون رجلاً نبيلاً يقدر هذه الخطوة : لأن المرأة تكون عزيزة وتكون كريمة إذا كانت مطلوبة أما إذا تحولت إلى طالبة يخف وزنها ، إلا أن تعرض نفسها علي رجل كريم صاحب مروءة وعلى رأس هؤلاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلو كان لئيماً يستخف بالمرأة ويستدرجها. .
موقف امرأة العزيز لما عرضت نفسها :لما امرأة العزيز راودت يوسف عليه السلام. (وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ) (يوسف30 )فاستقبحوا هذا جداً منها.
الرجل الذي يراود وليس المرأة (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ) .
إذاً العبد ليس عنده من الحرية وليس عنده من العفة وليس عنده من المروءة ما عند الحر.
الثانية: كان عزباً" لم يتزوج ولم يتسرر فهو بكامل فتوته
الثالثة: كان غريبا" والغريب يفعل في دار الغربة ما يأنف المقيم أن يفعله بين أهله وإخوانه .
الرابعة : والمرأة جميلة و الداعية إلى نفسها: أي إنسان مهما كان فاجراً يخشى أن يقترب أو أن يراود امرأة. ربنا سبحانه وتعالى لما ذكر الزنا قال : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ) ......(النور2 )فقدم الزانية على الزاني.
فلما جاء الكلام عن السارق قال : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ)...( المائدة38)فقدم السارق على السارقة لأن الرجل جرئ ، والمرأة ليس لها من قوة القلب إنها تسرق كالرجل .
الخامسة : إنه مكره : فالمرأة كان بيدها قرار الحل والعقد وأن زوجها كان ديوثاً فلما عرف إن المرأة هي التي راودت يوسف عن نفسه.
قال : (واستغفري لذنبك)(يوسف29) ومع ذلك ومع كل هذه المقتضيات يقول يوسف عليه السلام (مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ)...(يوسف23 )فكل المقتضيات كانت توقع بيوسف عليه السلام لكن عصمه الله عز وجل آتاه حكما وعلماً قال الله عز وجل قبل قصة المراودة في سورة يوسف (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً) .( يوسف22)
ولهذا نظائر في كتاب الله سبحانه وتعالى:
قال تعالى : (ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ)... التوبة118) أي لولا أنه تاب عليهم ما تابوا.
(وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ).....( النحل127 )لولا أن الله جل وعلا صبره ما صبر فلله الحمد في البدء والختام وفي الأولى والآخرة.
إذا إنما عصمه الله عز وجل بأن آتاه الله حكماً وعلماً فكان من تمام علمه عليه السلام أنه وقف لهذه الفتنة والداهية الدهياء بل إنه قال : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) (... يوسف33 )ففضل المصيبة على اللذة مع أن الهوى إنما يكون في اللذة ولكن فضل المشقة على هذه اللذة ولذلك ورثه الله عز وجل عز الدنيا وشرف الآخرة.
فالله أسأل أن يجعل ما قلته لكم زادا ً إلى حصن المصير إليه وعتاداً إلى يمن القدوم عليه إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله وبارك على نبينا محمد ، والحمد لله رب العالمين.