تصنيفات المقال:
الزهد والرقائق
تاريخ النشر: 2 رجب 1436هـ الموافق 20 أبريل 2015م
عدد الزيارات: 8144
بلاء يوسف الصديق
يقول ابن الجوزي رحمه الله :(بالله عليك تدبر أو تذوق حلاوة الكف عن المنهي فإنها شجرةٌ تثمر عزَ الدنيا وشرفَ الآخرة).
على رأس هذه الطائفة يوسف عليه السلام , فإن يوسف عليه السلام أُبتلي ببلاءين في حياته.
البلاء الأول: عندما ألقاه إخوته في الجُب وهو صغير لايدبر أمر نفسه, فلطف الله سبحانه وتعالى به, فلما أتت الزمرة وأدلى أحدهم دلوه فتعلق يوسف عليه السلام بالدلو ورآه جميلاً(قَالَ يَا بُشْرَى هَـذَا غُلاَمٌ ) (يوسف -19)وأخذوه وباعوه وهو الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم فهو نبي وجده نبي وجد جده أبو الأنبياء.
فكان من تقدير الله سبحانه وتعالى له في هذا البلاء التمكين الأول لأن يوسف عليه السلام أُبتلي ببلاءين بعد كل بلاء تمكين, .فلما بيع بثمن بخس ودخل بيت العزيز كان له أول تمكين. وهذا التمكين هو أعظم التمكينين, لأنه مكن أولاً من قلب العزيز . قال تعالي﴿وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِن مِّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً )(يوسف -21 )وقال الله عز وجل( وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ) (يوسف -21 ) هذا هو التمكين الأول.أن يدخل المرء قلب أحد..
نصيحة الشيخ -حفظه الله -للداعية إلي الله:
وأنا أقول هذا لكل رجل تصدر للدعوة إلى الله سبحانه وتعالى إذا استطعت أن تتمكن من قلوب الناس نجحت في دعوتك. بخلاف الذين يستخدمون الغلظة في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى باسم الغيرة على الدين وباسم الغيرة للسنة , فإن الغيرة على الدين والغيرة للسنة شيء جميل .ولكن الأمر كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم- "ماكان الرفقُ في شيءٍ إلا زانه ولا نُزِعَ من شيء إلا شانه".ولو تدبرت في حياة النبي–صلى الله عليه وسلم- لرأيت أنه كان يستخدم الرفق مع الأعراب أكثر من الذين كانوا يساكنونه في المدينة, حتى قال أنس-ت-" كنا نهينا في القرآن أن نسأل النبي -صلى الله عليه وآله سلم-".
وهذا النهي في قوله تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ )( المائدة101) فكان يعجبنا أن يأتي الرجل العاقل من البادية يسأل ونحن نسمع, فلربما جاء رجل جاف لم يتعلم الأدب في الخطاب مع النبي عليه–صلى الله عليه وسلم- فلربما تجاوز في العبارة وهو يسأل فيرفق به النبي –صلى الله عليه وسلم-
حتى أن عبد الله ابن أبي ابن سلول- وأنتم تعلمون أنه كان رأس النفاق-, لما تكلم في حق النبي –صلى الله عليه وسلم- بكلام لاينبغي, حتى أراد بعض الصحابة أن يقتلوه, فعلم عبد الله ابنه ابن عبد الله ابن أبي سلول فهذا كان صحابياً جليلا .وأبوه كان رأس النفاق, لما علم عبد الله الابن أن بعض الصحابة يريد أن يقتل أبا عبد الله فأتى عبد الله الابن وقال:(يارسول الله والله لئن أمرتني لأتينك بعنقه فلا أحب أن أرى قاتل أبي-)أنا أقتله لكن لا أحد يقتله غيري -فقال له الرسول عليه الصلاة والسلام:"بل بر أباك وأحسن صحبته".
لما أراد بعض الصحابة أن يقتل عبد الله بن أبي ابن سلول , قال النبي –صلى الله عليه وسلم- "معاذ الله أن يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه". هكذا بالجمع (أصحابه) لأن الناس يزيدون في الكلام. , فهذا يصد الناس عن المجيء إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- خشية أن يقتلوا, فكان عليه الصلاة والسلام يستعمل الرفق في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى
فالرفق هو الذي يدخلك قلوب الناس فإذا ما دخلت قلوب الناس نجحت دعوتك: ولذلك الأعداء أو خصوم الدعوة إلى الله عز وجل يلجئون إلى التهويل وإلى الكذب وإلى رمي الدعاة إلى الله- عز وجل -بالنقائص وتهم معلبة جاهزة تهمة الإرهاب وتهمة التطرف وتهمة التشدد وأنهم يحرمون ما أحل الله , هل شعر الملايين الذين يسمعوننا أننا حرمنا عليهم شيئاً من الطيبات الذي أراه بنفسي أن إتباع هذه الدعوة لهي أدل دليل علي بطلان هذه الدعاوي, نحن ما شددنا أبداً في شيءٍ وسعه الله علي الناس أبداً,
إذا كنت وأنت تسير على الصراط المستقيم وأنت من أرفق الناس بالناس ومع ذلك ترمى بهذه التهم المعلبة فكيف لو كنت غليظا حينئذ تحقق تهم هؤلاء الناس لذلك الرفق الرفق يا أيها الدعاة إلى الله- سبحانه وتعالى استعملوا الأخلاق النبوية إذا دخلت قلب الناس مُكِن لك.
التمكين في الأرض لا يكون إلا بعد أن تدخل قلوب الخلق :لذلك (يوسف عليه السلام )أول تمكين له أنه دخل قلب العزيز قبل أن يمكن على قبة المالية في مصر .
التمكين الثاني :﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴾(يوسف-55)فأمسك بالخزائن كلها وهذه لها محور سأتكلم عنه إن شاء الله تبارك وتعالى
فالتمكين الأول: الذي كان ليوسف عليه السلام أنه دخل قلب العزيز وربنا عز وجل قال " وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ " .
فالله أسأل أن يجعل ما قلته لكم زادا ً إلى حصن المصير إليه وعتاداً إلى يمن القدوم عليه إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله وبارك على نبينا محمد ، والحمد لله رب العالمين .
* * *