تصنيفات المقال:
موضوعات متنوعة
تاريخ النشر: 1 رجب 1436هـ الموافق 19 أبريل 2015م
عدد الزيارات: 4394
عزيمة الصحابة
يقول ابن الجوزي رحمه الله يضرب الأمثال : (ولولا جِدُّ أنس ابن النضرِ في ترك هواه، وقد رأيت من آثار عزمته لئن أشهدني الله مشهدًا ليرينّ اللهُ ما أصنع-حتى أنه لما قُتل ما عرفته أخته ,إلا ببنانه.-لولا ذاك العزمُ ما كان انبساطُ وجهِهِ يوم قال والله لا تُكسر سِن الرُّبيَّع).
يشير ابن الجوزي -رحمه الله- إلى واقعتين بهذا الكلام.يقول : ( لولا جِدُّ أنس ابن النضر في ترك هواه، وقد رأيتَ من آثار عزمتهِ لئن أشهدني الله مشهدًا ليرينّ الله ما أصنع،).
يشير إلى ما رواه الشيخان، من حديث أنس- ت- قال :" قال أنس ابن النضر وهو عمي الذي سُمِتُ به، أول مشهدٍ لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- فاتني -الذي هو بدر- ثم قال:" لئن أشهدني الله مشهدًا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ليرين الله ما أصنع." ثم خاف أن يقول غيرها خشي أن ينفسخ عزمُ قلبِهِ، الإنسان وهو بعيد عن الفتنة ممكن يتصور أنه سيثبُت، فإذا لابس الفتنة انفسخ عزمُ قلبه وتقهقر إلى الوراء بدلاً أن يتقدم، وخشي أن يدلّ بعمله فيعاقب،. لأن من تقاوي كُسِر.لا يجوز لأحد أن يتقاوى أمام الفتنة و أمام الاختبار .
ثم يعرض الشيخ-حفظه الله-قصة سِنّون الواعظ أوسِنّون المحب،:قال كلمة مثل أنس ابن النضر:" ابتليني يارب وسترى ما أصنع، فحُبس فيه البول حتى أنه كان يمشي يحمل قارورة البول في جيبه "وغير متحمل، فرأى رؤية حَلُّك أن تذهب إلى صبيان الكتاتيب واجعلهم يدعون لك، فكان يذهب إلى الكتاتيب ويقول:" استغفروا الله لعمّكم الكذّاب"-الكذّاب- أي الذي ادّعى أنه سيثبت لكنه عجز.(من قارب الفتنة لم يأمن السلامة) ولذلك في القتال مثلا،الجهاد في سبيل الله الذي هو ذروة سنام الإسلام،.
قال النبي–صلى الله عليه وسلم- "لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية"، مع أن لقاء العدو هو الجهاد، وإذا أقبل المرء لإعلاء كلمة الله في الجهاد يكون من الشهداء والشهادة من أعظم الدرجات، ومع ذلك يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-"لا تتمنوا لقاء العدو"، لأنك لا تدري أتفرُّ من الزحف فتكون مرتكب لأكبر الكبائر أو إذا مستك السيوف ممكن أن لا يصبر المرء، ممكن يكفر و تخرج روحه .
فأنس ابن النضر- ت- قال هذه الكلمة، أفلتت منه،" لئن أشهدني الله مشهدًا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ليرين اللهُ ما أصنع وخاف أن يقول غيرها"
فلما كانت غزوة أُحد وحصل للمسلمين ما تعرفون جميعا، النبي -عليه الصلاة والسلام-كان أمّر عبد الله ابن الجبير على خمسين من الرماة وأخبرهم أن يبقوا علي الجبل، لا تغادروا مكانكم حتى لو رأيتم الطير يتخطف العسكر، لا تنزلوا من علي الجبل، بعد ما بدأت الحرب، الدولة كانت للمسلمين وفرّ المشركون منهزمين أمام المسلمين، الجماعة الذين هم فوق الجبل قالوا الغنائم، الغنائم، انزل خذ الغنائم، عبد الله ابن الجبير ذكّرهم بعهد النبي -صلى الله غليه وسلم-أن لا تتركوا الجبل فلم يستجب له أحد. (مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ) من جروا على الغنائم (مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا ) خالد ابن الوليد كان إذ ذاك على خيل المشركين وجد الجبل فارغ، خلا الجبل من الرماه، فرجع من الخلف ودخل على المسلمين وكانت مقتلة للمسلمين، قتِل سبعون وكُسِرت رباعية النبي - صلي الله عليه وسلم- إلى آخر ما هو معروف في الغزوة. فالهرج والمرج الذي حصل في غزوة أحد و أن بعض الصحابة ألقوا سيوفهم وبعد ما صرخ الشيطان أن النبي- عليه الصلاة والسلام- قد مات،.
فأنس ابن النضر لقي سعد ابن معاذ، فقال أنس لسعد: "يا أبا عمر، واهاً لريح الجنة إني أراها دون أُحد. فقاتل حتى قُتل، فلما قُتل وجدوا به ثمانين ضربة، مابين ضربة بسيف وطعنة برمح و رمية بسيف حتى ما عرفته أخته الرُّبَيَّع إلا ببنانه" البنان طرف الأصابع، لم تعرفه من وجهه، لأن وجهه ملطخ بالدماء، مشوّه بكثرة الضربات التي تلقاها.
قال أنس ابن مالك راوي الحديث: فأحسب أنه نزل في أنس وأصحابه قول الله عز وجل: ﴿مِّنَ اَلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ ما عَهَدُواْ اْللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً﴾ (الأحزاب:23)، ﴿صَدَقُواْ ما عَهَدُواْ اْللَّهَ عَلَيْهِ﴾ قال: لئن أشهدني الله مشهدًا ليرين الله ما أصنع، وصدق الله عز وجل في ذلك.
يقول ابن الجوزي رحمه الله: (لولا جِدُّ أنس ابن النضر في ترك هواه، وقد ظهر من آثار عزمته، -أي من عزيمته- أنه قال لئن أشهدني الله مشهدا ليرينّ الله ما أصنع. لولا هذا ما كان انبساط وجهه يوم قال والله لا تُكسر سِن الرُّبيَّع)
وجه الدلالة" يشير بهذا إلى الحديث الذي رواه البخاري في صحيحة من حديث حميد ابن أبي حميد الطويل عن أنس ابن مالكت: أن الربيع بنت النضر-أخت أنس ابن النضر -كسرت ثنيّة جارية، الثنيّة مقدم الأسنان، فالجماعة الذين يمتلكون الجارية أو الجارية إذا كانت بنت من البنات الأحرار جاءوا للنبي –صلى الله عليه وسلم- وقالوا أن الربيع بنت النضر كسرت ثنيّة هذه الجارية، ونحن نريد القصاص، فالنبي–صلى الله عليه وسلم- أرسل إلى أنس ابن النضر وقال له يا أنس هؤلاء الجماعة يرفضون الدية ويريدون كسر ثنية الربيع أختك، فقال أنس يا رسول الله تُكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق، فقال "يا أنس كتاب الله القصاص "، قال :"لا يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا تُكسر ثنية الربيع" يقول: "يا أنس كتاب الله القصاص"، يقول :"لا والذي بعثك بالحق لا تُكسر ثنية الربيع"فرضي الناس بالدية، هكذا بلا مقدمات، كانوا رافضين وقالوا لابد القصاص تكسر ثنية الربيع وفجأة قالوا نأخذ الدية، .
فقال: عليه الصلاة والسلام معقباً"إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه".فهذا هو أنس ابن النضر أحد أولياء الله يقول: "لا والذي بعثك بالحق لا تُكسر ثنية الربيع" فيستجيب الله له، ولا يحنث في يمينه، "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه".
الإمام مسلم روى هذا الحديث عن ثابت ابن أسلم البُناني عن أنس فخالف في سياقه، رواية ثابت ابن أسلم البُناني "أن أم حارثة أخت الربيع بنت أنس جرحت إنسانا، فجاء الناس وقالوا نجرحها كما جرحت هذا الإنسان، فقالت: أم الربيع "يا رسول الله أتجرح فلانة، لا والذي بعثك بالحق" قال:لها" يا فلانة كتاب الله القصاص" قالت:" يا رسول الله لا والذي بعثك بالحق"فرضي الناس بالدية، فقال –صلى الله عليه وسلم- "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه".فواضح أن السياق فيه اختلاف.
رواية البخاري:حميد الطويل عن أنس فيها أن التي جرحت( هي الربيع وكسرت الثنية،) والذي قال لا( هو أنس ابن النضر) .في رواية ثابت ابن أسلم البُناني: التي جرحت(أم حارثة) والتي قالت لا والذي بعثك بالحق( هي أم الربيع) نلاحظ اختلاف في سياق القصة.ذهب جمع من أهل العلم:منهم البيهقي إلى أن هاتين واقعتان، فهذه واقعة وتلك واقعة. المسألة فيها بحث حديثي متني لا أرى داعيا للخوض فيها.
والله سبحانه وتعالى أسأل أن يجعل ما قلته زادًا إلى حسن المصير إليه و عتادًا إلى يمن القدوم عليه إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.