تصنيفات المقال:
موضوعات متنوعة
تاريخ النشر: 1 رجب 1436هـ الموافق 19 أبريل 2015م
عدد الزيارات: 5185
تمكين القلوب
إنه لا يمكّن في الأرض إلا لمن استأثر بقلوب من عليها: وهنا نكتة في منتهى اللطف، وهي في قصة يوسف عليه السلام، وذلك عندما ألقوه في الجب، وبعدها أخرجوه، ثم ذهب إلى العزيز، وكان لا يزال صغيراً، والله سبحانه وتعالى بعدما ذكر أنهم استقبلوه وأحبوه قال: (وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ) [يوسف:56] يوسف عليه السلام لم يمكن له في الأرض إلا بعدما خرج من السجن وصار وزيراً، فأين التمكين؟طالما دخل قلب هذا الرجل، فهذا هو الملك الحقيقي، ابن آدم لا يمكن أن يتنازل بما يملك إلا إذا كسب أحد قلبه، فإذا ملكت قلوب الناس فهذا هو الملك الحقيقي، لذلك قال الله تبارك وتعالى: وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ [يوسف:56]. لذلك نقول: يا من ترغب بالملك، املك قلوب الناس تضمن الملك الذي تحت أرجلهم.
ولقد امتن ربنا سبحانه وتعالى: على رسوله عليه الصلاة والسلام قال: ( وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) [الأنفال:63].الرسول عليه الصلاة والسلام خلال عشر سنين أقام دولة كانت تخاف منها معسكرات فارس والروم، بماذا أقامها؟ أقامها بتأليف القلوب.
ومن الأمثلة على ذلك: لما آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين سعد بن الربيع وعبد الرحمن بن عوف ، جاء سعد وقال: اختر أجمل نسائي فأطلقها فإذا انقضت عدتها تزوجتها، وخذ شطر مالي، فقال عبد الرحمن بن عوف : بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلني على السوق.ما الذي حدث للعرب؟!! كان العرب إذا نظر أحد إلى امرأته قام فقتلها، بينما سعد بن الربيع يقول الآن: أتنازل لك عن أجمل نسائي؟! ما الذي حدث؟! الله عز وجل غيَّر قلوب هؤلاء، وكل فساد على الأرض بسبب تحول القلوب.
جاء في رواية أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قرأ قوله تعالى: (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ )[التكوير:8-9] يبكي حتى يبل لحيته، فسئل عن ذلك فقال: كان لي بنت في السادسة من عمرها، وعندما أخذتها لأضعها في التراب كانت تزيل التراب عن لحيتي.لكن بعد الإسلام أصبح الصحابة رقيقي القلوب: فكانوا كثيري البكاء، وكان الواحد منهم إذا سمع شيئاً من الوعيد، أو آيات من القرآن يسيل دمعه مباشرة، والعين كلما كانت كثيرة البكاء دل ذلك على زكاء النفس.
أبو بكر الصديق كما في صحيح البخاري: (همَّ أن يخرج من مكة مهاجراً إلى الحبشة، فقابله ابن الدغنة فقال له: أين تذهب يا أبا بكر ؟ قال: أخرجني قومي، أريد أن أسيح في الأرض، فأعبد ربي -فماذا قال له زيد ؟ وكان زيد رجلاً كافراً آنذاك- قال: يا أبا بكر ! مثلك لا يخرج ولا يُخرج؛ إنك تصل الرحم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر) خروجك خسارة! خروج المصلحين والأتقياء من أي بلد أكبر خسارة! مكارم الأخلاق هي الطريق الطبيعي لكسب قلوب العباد، ولذلك كانوا يبحثون عن أي وسيلة لغزو القلوب.
غزو القلوب هو الملك الحقيقي، لذلك أنصحكم أن تعملوا على كسب القلوب، فإنك إذا استطعت إن تكسب قلب إنسان فتكون كأنك ملكته.