تصنيفات المقال:
الزهد والرقائق
تاريخ النشر: 22 صفر 1437هـ الموافق 5 ديسمبر 2015م
عدد الزيارات: 1967
" المقـدمـة "
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد : قال الإمام ابن قدامة المقدسي في كتابه [مختصر منهاج القاصدين] :
قال تعالى : " يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا.." إلى قوله : " وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ " [آل عمران : 30] ، وقال : " وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ..." إلى قوله : " وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ " [الأنبياء: 47] ، وقال : " وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ.." إلى قوله : " وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا " [الكهف : 49] ، وقال " يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ " إلى آخرها [الزلزلة : 6] , فاقتضت هذه الآيات وما أشبهها خطر الحساب في الآخرة .
وتحقق أرباب البصائر أنهم لا ينجيهم من هذه الأخطار إلا لزوم المحاسبة لأنفسهم وصدق المراقبة ، فمن حاسب نفسه في الدنيا ، خف في القيامة حسابه ، وحسن منقلبة , ومن أهمل المحاسبة دامت حسراته ، فلما علموا أنهم لا ينجيهم إلا الطاعة وقد أمرهم الله تعالى بالصبر والمرابطة فقال : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " [آل عمران : 200] ، فرابطوا أنفسهم أولاً بالمشارطة ، ثم بالمراقبة ، ثم بالمحاسبة ، ثم بالمعاقبة ، ثم بالمجاهدة ، ثم بالمعاينة , فكانت لهم في المرابطة ست مقامات ، وأصلها المحاسبة ، ولكن كل حساب يكون بعد مشارطة ومراقبة ، ويتبعه عند الخسران المعاتبة والمعاقبة ، ولا بد من شرح ذلك المقام .