تصنيفات المقال:
الزهد والرقائق
تاريخ النشر: 22 صفر 1437هـ الموافق 5 ديسمبر 2015م
عدد الزيارات: 1999
أولا الدليل .. وهو الشيخ المربى والعالم العامل والاستاذ السابق والخبير المجرب .. انك تحتاج فى طريقك الى شيخ ذى بصيرة نافذة يدل وينصح ...يهذب ويتابع ... يستشف ويستنتج ... يلحظ ويعرف انه مجرب خريت .. انه ليس دليلك على الطريق فقط ، انما هو دليلك على نفسك ماذا تصلح وكيف تصلح ... يصحبك فى سيرك ويربيك بالمعاشرة . أيها الاخوة ان الطريق هذه طريق واسعة .. وهذا شرط فى صفة الصراط أن يسع جميع السائرين .. وليس كل السائرين على طبيعة واحدة ، فالله – عز وجل- خلق الخلق فتفاوتت هممهم وتنوعت مواهبهم واختلفت طاقاتهم وقدراتهم .." وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ " ( الانعام : 165 ) . فأين تسير ؟ وكيف تسير ؟ ومن أين تبدأ ؟ وفيم تستمر ؟ ومتى تتوقف والى متى ؟ ...هذا عمل الدليل ووظيفته.. ماذا تصلح وبماذا تهتم وفيم تتخصص ؟
طبيعة الطريق :
ولكى يتضح كلامنا فى حاجتك الى هذا المربى ، فلابد أن تعرف أولا طبيعة الطريق .. فاقرأ معى ما قاله ابن القيم – عليه رحمة الله-وبركاته- :
" الطريق الى الله فى الحقيقة واحد لا تعدد فيه ، وهو صراطه المستقيم الذى نصبه موصلا لمن سلكه اليه ، قال الله تعالى " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ " ( الانعام : 153 ) , فوحد سبيله لانه فى نفسه واحد لا تعدد فيه وجمع السبل المخالفة لانها كثيرة متعددة , كما ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم خط خطا عن يمينه وعن يساره ثم قال : " هذه سبل على كل سبيل منها شيطان يدعو اليه " ثم قرأ " وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ " . [أخرجه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبى وأحمد شاكر] .
ومن هذه قول الله تعالى : " اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ " ( البقرة : 257 ) فوحد النور الذى هو سبيله وجمع الظلمات التى هى سبل الشيطان ومن فهم هذا فهم السر فى افراد النور وجمع الظلمات فى قوله تعالى " الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ " ( الانعام :1 ) مع ان هذا فيه سرا ألطف من هذا يعرفه من عرف منبع النور ومن أين فاض وعمّاذا حصل وأن أصله كله واحد ، وأما الظلمات فهى متعددة بتعدد الحجب المقتضية لها .. وهى كثيرة جدا لكل حجاب ظلمة خاصة ولا ترجع الظلمات الى النور الهادى – جل جلاله- أصلا : لا وصفا ولا ذاتا وا اسما ولا فعلا ، وانما ترجع الى الى مفعولاته – سبحانه- فهو جاعل الظلمات ومفعولاتها متعددة متكثرة بخلاف النور فانه يرجع الى اسمه وصفته – جل جلاله- تعالى أن يكون كمثله شىء ، وهو نور السماوات والارض . قال ابن مسعود : " ليس عند ربكم ليل ولا نهار ، نور السماوات والارض من نور وجهه " ذكره الدارمى عنه , وفى " صحيح مسلم " عن أبى ذر قلت : يا رسول الله ، هل رأيت ربك ؟ قال : " نور أنى أراه ! " [أخرجه مسلم : 178] .
والمقصود أن الطريق الى الله – تعالى – واحد ، فانه الحق المبين ، والحق واحد ، مرجعه الى واحد وأما الباطل والضلال فلا ينحص ، بل كل ما سواه باطل ، وكل طريق الى الباطل فهو باطل . فالباطل متعدد ، وطرقه متعددة . وأما ما يقع فى كلام بعض العلماء أن الطريق الى الله متعددة متنوعة، جعلها الله كذلك لتنوع الاستعدادات واختلافها رحمة منه وفضلا فهو صحيح لا ينافى ما ذكرناه من وحدة الطريق . وكشف ذلك وايضاحه أن الطريق وهى واحدة جامعة لكل ما يرضى الله . وما يرضيه متعدد متنوع ، فجميع ما يرضيه طريق واحد ومراضيه متعددة متنوعة بحسب الازمان والاماكن والاشخاص والاحوال وكلها طرق مرضاته . فهذه التى جعلها الله – سبحانه- لرحمته وحكمته كثيرة متنوعة جدا لاختلاف استعدادات العباد وقوابلهم ، ولو جعلها نوعا واحدا مع اختلاف الاذهان والعقول وقوة الاستعدادات وضعفها لم يسلكها الا واحد بعد واحد ، ولكن لما اختلفت الاستعدادات تنوعت الطرق ليسلك كل امرىء الى ربه طريقا يقتضيها استعداده وقوته وقبوله .
ومن هنا يعلم تنوع الشرائع واختلافها مع رجوعها كلها الى دين واحد ، بل تنوع الشريعة الواحدة مع وحدة المعبود ودينه ومنه الحديث المشهور " الانبياء أولاد علات دينهم واحد " [متفق عليه] فأولاد العلات أن يكون الاب واحدا والامهات متعددة ، فشبه دين الانبياء بالأب الواحد ، وشرائعهم بالامهات المتعددة ، فانها وان تعددت فمرجعها كلها الى أب واحد .
1- واذا علم هذا فمن الناس من يكون سيد عمله وطريقه الذى يعد سلوكه الى الله طريق العلم والتعليم قد وفر عليه زمانه مبتغيا به وجه الله فلا يزال كذلك عاكفا على طريق العلم والتعليم حتى يصل من تلك الطريق الى الله ويفتح له فيها الفتح الخاص أو يموت فى طريق طلبه فيرجى له الوصول الى مطلبه بعد مماته قال الله تعالى:
" وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ " ( النساء : 100 ) .
وقد حكى عن جماعة كثيرة ممن أدركه الاجل وهو حريص على طالب للقرآن أنه رؤى بعد موته وأخبر أنه فى تكميل مطلوبه وأنه يتعلم فى البرزخ ، فان العبد يموت على ما عاش عليه .
2- ومن الناس من يكون سيد عمله الذكر ، قد جعله زاده لمعاده ورأس ماله لمآله ، فمتى فتر عنه أو قصر رأى أنه قد غبن وخسر.
3- ومن الناس من يكون سيد عمله وطريقه الصلاة ، فمتى قصر فى ورده منها أو مضى عليه وقت وهو غير مشغول بها أو مستعد لها أظلم عليه وقته وضاق صدره .
4- ومن الناس من يكون طريقه الاحسان والنفع المتعدى ، كقضاء الحاجات وتفريج الكربات واغاثة اللهفات وأنواع الصدقات ، قد فتح له فى هذا وسلك منه طريقا الى ربه .
5- ومن الناس من يكون طريقه الصوم ، فمتى أفطر تغير عليه قلبه وساءت حاله .
6- ومنهم من يكون طريقه الامر بالمعروف والنهى عن المنكر، قد فتح الله له فيه ونفذ منه الى ربه.
7- ومنهم من يكون طريقه الذى نفذ فيه الحج والاعتمار .
8- ومنهم من يكون طريقه قطع العلائق وتجريد الهمة ودوام المراقبة ومراعاة الخواطر وحفظ الاوقات أن تذهب ضائعة .
9- ومنهم جامع المنفذ ، السالك الى الله فى كل واد الواصل اليه من كل طريق ، فهو جعل وظائف عبوديته قبلة قلبه ، ونصب عينه يؤمها أين كانت ويسير معها حيث سارت ، قد ضرب من كل فريق بسهم ، فأين كانت العبودية وجدته هناك : ان كان علم وجدته مع أهله ، أو جهاد وجدته فى صف المجاهدين ، أو صلاة وجدته فى القانتين ، أو ذكر وجدته فى الذاكرين ، أو احسان ونفع وجدته فى زمرة المحسنين ، أو مراقبة ومحبة وانابة الى الله وجدته فى زمرة المحبين المنيبين ، يدين بدين العبودية أنى استقلت ركائبها ، ويتوجه اليها حيث استقرت مضاربها ، لو قيل له : ما تريد من الاعمال ؟ لقال : أريد أن أنفذ أوامر ربى حيث كانت وأين كانت ، جالبة ما جلبت مقتضية ما اقتضت جمعتنى او فرقتنى ، ليس لى مراد الا تنفيذها والقيام بأدائها مراقبا له فيها ، عاكفا عليه بالروح والقلب والبدن والسر ، قد سلمت اليه المبيع منتظرا منه تسليم الثمن " إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ " ( التوبة : 111 ) .
فهذا هو العبد السالك الى ربه النافذ اليه حقيقة ، ومن النفوذ اليه أن يتصل به قلبه ويعلق به تعلق المحب التام المحبة بمحبوبه فيسلو به عن جميع المطالب سواه فلا يبقى فى قلبه الا محبة الله وأمره وطلب التقريب اليه .
فاذا سلك العبد على هذا الطريق عطف عليه ربه فقربه واصطفاه , واخذ بقلبه اليه وتولاه فى جميع أموره فى معاشه ودينه وتولى تربيته أحسن وأبلغ مما يربى الوالد الشفيق ولده فانه – سبحانه- القيوم المقيم لكل شىء من المخلوقات طائعها وعاصيها فكيف تكون قيوميته بمن أحبه وتولاه وآثره على ما سواه ورضى به من الناس حبيبا وربا ووكيلا وناصرا ومعينا وهاديا !! فلو كشف الغطاء عن ألطافه وبره وصنعه له من حيث يعلم ومن حيث لا يعلم لذاب قلبه حبا له وشوقا اليه ولتقطع شكرا له ، ولكن حجب القلوب عن مشاهدة ذلك اخلادها الى عالم الشهوات والتعلق بالاسباب فصدت عن كمال نعيمها وذلك تقدير العزيز العليم . والا فأى قلب يذوق حلاوة معرفة الله ومحبته ثم يركن الى غيره ويسكن الى ما سواه ؟! هذا ما لا يكون أبدا " .
استبانت الطريق .. رحمك الله يا شيخ الاسلام ويا علم الاعلام ابن القيم , فيا لك من علامة مرب ..
ورأيت تنوعها فالى أين تذهب وكيف تذهب ؟! ومن الذى يوجهك ويحثك ؟ ويرشدك ويستثيرك غير المربى ؟! قالوا : والله لولا المربى ما عرفت ربى .
اذا فوظيفة هذا المربى أن يختار لك , وأن يقترح عليك , بل قد يلزمك أحيانا بما يخالف هواك وتظن أنك لا تفلح فيه وانت لا تصلح الا له .
وقد تصيح – أيها الاخ الشاب الكريم المفضال – وترفع عقيرتك سائلا : أين المربى ؟ أين المربى ؟..
وانا أقول لك : " وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا " ( الطلاق : 2- 3 ) .
انك – أيها الطيب – تبحث عن المشاهير الاعلام وتظن انه لا يصلح لتربيتك الا هؤلاء .. وهذا من الغرور والسفه , فالمشاهير من الدعاة والعلماء والاركان وطلبة العلم يدفعون ضريبة الشهرة فلا وقت عندهم لأحد ... تكفيهم همومهم ومشاغلهم .. وهم معذورون – غفر الله لنا ولهم .
فتواضع- أخى الكريم - وابحث عن هذا المربى ..أخ مغمور لا يعرف .. لا يؤبه له ولكنه قديم يبدو فى وجهه سمت الصالحين ..عابد قلما تراه يخالط الناس فيما يخوضون فيه ..سابق بالخيرات .. التزم منذ سنين وسبر أغوار الطريق .
قل لى : لن اجد .. وانا أقول لك : سوف تجد , قال سبحانه " وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ " ( العنكبوت : 69 ).. وهذه أيضا من قوانين هذا الطريق ..أنه لا يعطى منحة السير فيه الا من حرص وبذل وضحى . ابحث واصدق واحرص واصبر تعط.. تلك أصولك يا مسكين .
ثانيا : الصاحب ..
فى الهجرة دروس وأسرار . لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهاجر اصطحب رجلين, رجلين فقط ..دليلا وصاحبا .. الدليل كان خريتا بصيرا بالطرق , وهذا مهمته تنتهى عند ذلك .. أن يدل على الطريق .. اما الصاحب فكانت الشروط فيه كثيرة جدا.. لك ان تتسائل لم لم يصطحب عمر وهو أشجع , وسفرة مثل هذه يحتاج فيها الى الشجاعة أو لم لم يصطحب عليا وهو أشب ومن الاهل , والتضحية به أسهل بدليل أنه نام فى فراشه .
لم اختار أبا بكر دون الناس ؟ ان الصحبة فى طريق السفر تحتاج الى شخص على المنهج , لذا اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا قلبه قريب من قلبه فلم يختلفا مرة .. انظر معى الى حادثة الغار :
لما قال أبوبكر : لو نظر احدهم حتى قدميه لرآنا , فقال له صلى الله عليه وسلم : " لا تحزن ان الله معنا " فماذا كان رد أبى بكر أو تعليقه على هذه المقولة ؟ بالتأكيد لا شىء .. انتهت القضية ..سلم .
وانا متأكد أنه لو كان غير أبى بكر لظل قلقا وأعاد المسألة , ولكن لما كان قلبه على قلبه سلم .
واستراح الرسول صلى الله عليه وسلم واستراح أبو بكر .
الخلاصة أننى أقول لك : لابد من صاحب فى هذا الطريق على نفس المنهج قلبه كقلبك , لاننى اراك
أيها الحبيب المحب قد خدعوك فقالوا: ابحث عمّن يشدك ..وتفاجأ بأن كل الناس يبحثون عمّن يشدهم هذه الايام ..وتفاجأ أن الشد الى أسفل لا الى أعلى . اننى اريد – أيها الحبيب – ان تبحث عن مسكين مثلك يبحث عن الطريق الى الله ويريد أن يصل الى الله ..هذا شرطه ..انه حريص على طاعة الله يريد الوصول الى الله .. ابحث عنه وارض به ولا تشترطه من الكمل فمن لم تكمل نفسه لا ينبغى له أن يبحث عن الكمال عند الاخرين.
قال الفضيل بن عياض : من طلب أخا بلا عيب , صار بلا أخ .
اذا لا ينبغى أن يزهد السائر الى الله فى أخيه السائر معه على الطريق لخلق أو خلقين ينكرهما فيه اذا رضى سائر أخلاقه , لأن اليسير مغفور والكمال مستحيل .
ومن ذا الذى ترضى سجاياه كلها كفى المرء نبلا أن تعد معايبه
وقال أبو الدرداء رضى الله عنه : معاتبة الاخ خير لك من فقده .
وقال بعض الحكماء : طلب الانصاف من قلة الانصاف .
وقال بعض السلف : " لا يزهدنك فى رجل حمدت سيرته وارتضيت وتيرته , وعرفت فضله وبطنت عقله , عيب خفى تحيط به كثرة فضائله , او ذنب صغير تستغفر له قوة وسائله ".
ولا أعدمك ( أحرمك ) النصيحة .. قد يكون هذا الصاحب زوجتك أو والدك أو شقيقك أو شقيقتك حتى وان كان ابنك أو بنتك .. وعندها يصير الامر أقوى ..لأن المعاشرة وطول الصحبة والتطبع بطباع السفر من لوازم هذا الطريق .. ولكن كما ذكرت لك على قلب واحد , لأن الخلاف كله شر والطريق مشغلة والانشغال عنها مهلكة , فلا تصاحب الا موافقا كى لا يزيد ويكثر الخلاف ويضيع الطريق .
رفقة الطريق : قد ذكرت لك أنه صاحب .. ولم لا يكونون صحبة ؟
قال سبحانه " مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ " ( الفتح : 29 ) .
نعم : لابد لك – أيها الحبيب السائر الى الله – من رفقة وصحبة فى هذا الطريق ..لابد لك من مجموعة تأنس بها , لتذهب عنك وحشة التفرد وتصحح لك الاخطاء , وتوضح لك عقبات الطريق .
واذا كانت الرفقة مهمة ومطلوبة فى سفر الدنيا , فكيف بأسفار الاخرة التى يكون فيها المؤمن أشد حاجة الى المعين الصالح والمشارك الموافق الذى يكون مع شريكه كاليدين تغسل احداهما الاخرى فالزم الركب – أيها الحبيب – فللركب خيرية .
" وان لرفقاء درب الاخرة خصائص ومواصفات لابد منها ، فرفقاء الطريق الى الله تعالى هم الذين علت هممهم وصفت نياتهم وصح سلوكهم حتى سبقوا الناس وتركوا السكون , وتزاحموا على ركوب القافلة ركضا الى الله تعالى وتسارعا الى مرضاته " وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى"(طه:84) , فلم يوقف لهم على رسم , ولم يلتزموا باسم ولم ينتظروا أن يشار اليهم بالاصابع أو ترفع لهم الاعلام فقد علت منهم الهمة التى لا تقف دونها حركة السفر , ولا يرضى صاحبها بغير الخالق عوضا , كما صفا منهم القصد الخالص من الشوائب حتى لا تعوق عن المقصود , وكان منهم التجرد التام للمعبود , وعلامة أخرى لرفقاء الطريق هؤلاء الا وهى صحة السلوك السالم من الافات والعوائق والقواطع والحجب " .
وصحة السلوك السالم هذه لا تكون الا بثلاثة شروط هى تمام خصائص اخوان الدرب وخلان الطريق :
" أحدها : أن يكون الدرب الاعظم الدرب النبوى المحمدى لا على الجواد الوضعية .
الثانى : أن لا يجيب على الطريق داعى البطالة والوقوف والدعة .
الثالث : أن يكون فى سلوكه ناظرا الى المقصود .
فبهذه الثلاثة يصح السلوك , والعبارة الجامعة لها أن يكون واحدا لواحد , فى طريق واحد " .