تصنيفات المقال:
الزهد والرقائق
تاريخ النشر: 8 شهر رمضان 1436هـ الموافق 25 يونيو 2015م
عدد الزيارات: 2737
حمدُ الله دليلٌ على اعتراف العبد بنِعَم الله عليه، وشكرُ الله من أسباب دوام النعمة وبركتها، فاللهم حمدًا لك وشكرًا يليق بجلالك وعظيم سلطانك.
إنَّ من نعم الله على العبد أن يُدرك مواسمَ الخيرات، ويغتنم ما فيها من ساعات؛ ليعظم أجرُه، وتُرفع درجتُه، وتُحطُّ فيها سيئاته. ونعم الله سابغة، ومن أجلِّ نعمه على العبد أنْ يُدركَ شهرَ رمضان وهو في عافية.
ومنْ أعظم ما يُعين المرءَ على اغتنامه تفكُّرُه فيمن تخطَّفه الموتُ من حوله: كيف حاله؟ وكيف كان عمله فيما سلف من أيامه؟
صام قومٌ معنا في سنين خلتْ، وهم بأحسن حال؛ فمنهم مَنْ أعدَّ عدَّته وتزوَّد لما فيه فلاحه، ومنهم مَنْ ضيَّع نفسه؛ أملًا في أنْ يُصلحَ أمره في قابل أيامه، فما أدرك ما تمنى، وما نال ما أمَّل!
وإنَّ مِنْ حق هؤلاء وأولئك أنْ ندعوَ لهم بخيرٍ في ساعة الإجابة ومظنَّة قبول الدعاء؛ فإنَّ الجزاء من جنس العمل، والله يعامل عبدَه بما يُعامل به خلقه، فإنَّ الله قريب من المحسنين، ولا أعظم من الإحسان لمن طُويت صحيفته.
والإنسانُ لا بدَّ وأنْ يلحق بهم، ويُعاين ما شاهدوه، ويقف موقفَهم، ولا يكون ذلك إلا عندما يأتي الأجل، وينقطع الأمل، كحال من سبق. كَمْ كُنْتَ تَعْرِفُ مِمَّنْ صَامَ فِي سَلَفٍ مِنْ بَيْنِ أَهْلٍ وَجِيرَانٍ وَإِخْوَانِ أَفْنَاهُمُ المَوْتُ وَاسْتَبْقَاكَ بَعْدَهُمُ حَيًّا فَمَا أَقْرَبَ القَاصِي مِنَ الدَّانِي.
وإنَّ الإنسان الذي يبحث عن نجاته في شدة الكرب، وعن الضوء في شدة الظلام لَيدركُ أنَّ مثل هذه الأزمنة لا تضيع إلا من محروم، فهل سعيت لتكون مثل هذا؟
إليك بعضَ الأمور؛ لعلَّ وعسى أن تعينك على الخير وترشدك إليه:
[1]- اقرأ في كل يوم جزءًا واحدًا من القرآن، لا تزد على ذلك، وليكن لك في قراءة الجزء وقفة، وهي: اكتب الكلماتِ التي لا تعرف معناها، والفوائدَ التي فتحها الله عليك وأنت تقرأ هذا الجزء، وبعد انتهائك من القراءة، إن كان هناك من يشاركك في مثل هذا، فكلِّفه بالبحث عن معاني تلك الكلمات، واقرأ فوائده، وانظر هل هي صحيحة بالرجوع إلى كتب التفسير، وابحث عن معاني الكلمات التي لم يفهمها، ومن ثم اجتمعا وتدارسا، وسترى الفرق حينها بين قراءة القرآن السابقة والآن.
[2]- تذكر أنَّ من علامة قَبول عملك الصالح أن تُوفَّق لعمل صالحٍ آخرَ، فإياك أن تفتر، أقول هذا؛ لأن أعداد المصلين لصلاة التراويح تقلُّ في وسط رمضان عن بدايته.
[3]- إياك أن تهدم ما بنيتَه، فبعضُ الناس يكثر من الصالحات، ويرتكب المحرمات، من نظر للحرام، فيضيع وقته في قراءة رواية سخيفة، أو مشاهدة فيلم ساقط، وفي الأخير يجد نفسه حصَّل بعض المعلومات، وعَلِم بعض القصص والأحداث؛ لكنها في الحقيقة لا تنفعه بشيء، فحالُه كحال من يحمل الحجر في السفر، فضيع الماء والزاد.
وإنَّ مما يغني عن كثرة الكلام عِلمَ الإنسان أنَّ رمضان كتبه الله علينا؛ لعلنا نتقي، وأخبرنا أنه له، وأنه يجزي به، فكن كما شئتَ، فإن من قدَّم خيرًا وجد خيرًا، ولا يستوي محسن وظالم لنفسه مبين.
جعلنا الله وإياكم ممن بوركتْ أيامُه، وعظمت جوائزُه، ونال محبة مولاه وخالقه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه.