تصنيفات المقال:
الردود والتعقيبات
تاريخ النشر: 25 جمادى الآخرة 1436هـ الموافق 15 أبريل 2015م
عدد الزيارات: 3405
أكد الداعية الإسلامي الشيخ أبو إسحق الحويني الذي زار الكويت أخيرا بدعوة كريمة من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية وكانت له دورة علمية في علم مصطلح الحديث أن الدعوة الإسلامية تمر بحالة إحباط عام إلا أن هنالك بعض المبشرات ، مؤكدا أن الغزو الخارجي وضعف الأنظمة من أبرز عوامل هذا الإحباط، واستنكر على الدعاة والخطباء الحديث عن سماحة الإسلام فقط والدعوة إلى السلام وكأن الإسلام دين لا شوكة فيه ، الأمر الذي جعل الأعداء يطالبون بمزيد من التنازلات ..
وفي معرض رده على كلام د.محمد الأشقر وتضعيفه حديث أبي بكرة والطعن في عدالته ، آثر الشيخ الحويني أن يكون الأشقر قد أصيب بشيء ، لما للإصرار على القول بما تفرد فيه من خطورة بالغة وتعدّ على عدالة الصحابة الكرام، ونصحه بالاستغفار وألا يغتر بقول الخصوم ، وثمن الجهود التي يقوم بها أهل الحديث في الذب عن السنة المطهرة وتنقيحها من الأحاديث الضعيفة والموضوعة ،كما حذر من الفتاوى المعلبة وشدد على ضرورة إيجاد لجان علمية للفتوى والنظر في قضايا الأمة وأن تدعمها الدول بما يحقق مصلحة الأمة الإسلامية.. وكان هذا نص الحوار:
انطباعات - الفرقان : ما أبرز انطباعاتكم في زيارتكم المباركة هذه إلى دولة الكويت ومشاركتكم في فعاليات وزارة الأوقاف وما لمستموه من واقع الدعوة هنا؟
- الحويني : الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين..
الحقيقة أنه ليست لدي خبرة كاملة عن واقع الدعوة في الكويت، ولكن الذي رأيته في هذه المرة، مبشر ومشرف لاسيما في ظل الفتور العام الذي تعيشه الدعوة في العالم الإسلامي بسبب حالة الإحباط وإحساس الجماهير أنه لا مخرج، وأننا في كل يوم نتدنى من سيء إلى أسوأ ولا حول ولا قوة إلا بالله.. وقد أحدث هذا الأمر نوعاً من هبوط العزيمة واللاأمل.
لكن في الحقيقة ما رأيته في مسجد الزير مبشر بكل المقاييس، سواء كان ذلك في العدد الذي يحضر، لاسيما في دورة مصطلح الحديث، وكانت هنالك مفاجأة لي ابتداءً، أن الترتيب كان يقضي بشرح مصطلح الحديث لعشرة طلاب أو عشرين، وما أن بدأت دورة المصطلح حتى وجدت أن العدد ثابت كما هو حيث بقي الجميع جالساً ولم يخرج أحد من المسجد، بل كان ممتلئا عن آخره، ثم بعد يومين ظهرت بشائر هذه الدروس وبدأ الناس العوام ممن ليست لهم لحى ولا يظهر منهم أي انتماء، بدأوا ينفذون وصيتي بأن طالب العلم ينبغي أن يأتي بكراس وقلم، فوجدت أمامي في الدرس رجالاً ظاهرهم أنهم من العوام، ولكنهم يكتبون ويتابعون علم المصطلح باهتمام بالغ ويخاطبونني بعد الدرس ويحدثونني عن انطباعاتهم وكيف أنهم أصبحوا يحبون هذا العلم ويسألون عن المراجع والكتب للاستزادة.. فرجل في الخمسين من عمره تعجب لاهتمامه ومتابعته، فكانت هذه مفاجأة بالنسبة لي، وظننت أن المسألة لا تعدو أن تكون طفرة يوم أو يومين وينتهي الأمر وإذ بالعدد في ثبات إلى آخر يوم بفضل الله، فيبدو لي والله تعالى أعلم أن خيراً كثيراً في العوام، ولكنه ينقصهم الداعية الذي يحسن البلاغ وله القدرة على التوصيل الجيد للمعلومة.
والذي رأيته من تعطش الشباب مع قلة الكوادر الموجودة في الكويت يدل على أن استخراج الطاقات الكامنة في هؤلاء الشباب يحتاج إلى كوادر محسنة.
إحباط:
- وما الأسباب الدافعة لحالة الإحباط التي يعيشها العالم الإسلامي اليوم؟
- الإحباط بلاشك له أسباب كثيرة، لكن الغزو العسكري الخارجي لبلاد المسلمين مع ما يظهر من ضعف الأنظمة العربية وعجزها عن الذب عن نفسها إزاء الاتهامات المتلاحقة من الغرب واستخذاؤنا الدائم يعد من أبرز العوامل لانتشار حالة الإحباط في مجتمعاتنا.
ومن المؤسف حقاً أن تكون هنالك توصيات من وزارات مثل وزارة الأوقاف لدينا بضرورة الحديث والخطابة عن الدعوة الحسنة.. وأن الإسلام دين السماحة لا دين الإرهاب.. وهذا حق أريد به باطل، فلا يمنع أن يكون الإسلام دين السلام والسماحة أن تكون له شوكة.. ولا يتصور أن يقتصر الحديث عن الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة وكأنه لا يوجد في القرآن إلا هذه الآية!
فإذا تكلم الداعية بأي شيء يمت إلى الإسلام بالقوة والترهيب كنوع من نوعي الدعوة بالترغيب والترهيب كان التحذير والانتقاد.. أمر غريب أن يغلقوا باب الترهيب حتى في وزارة الأوقاف، وعندنا في مصر على سبيل المثال يؤمر الخطباء ألا يتكلموا في عذاب القبر ولا يتكلموا في مشاهد القيامة بزعم أن الناس يشعرون بالرعب والخوف الشديد والإحباط، حتى فشت في الأمة عقيدة الإرجاء، وكأن الله لا يعذب أحداً وكأن الناس سيدخلون الجنة دون عمل!!
وخرجت علينا رموز من وزارة الأوقاف لا تتحدث إلا بهذا الأمر مع إطلاق اليد للعلمانيين الفجرة، الذين يطعنون في ثوابت الإسلام ويهجمون على المصادر الأصلية لديننا الحنيف، حتى صرنا نرى في بلاد المسلمين كتباً تخرج لتقول إن صحيح البخاري ملىء بالأحاديث الموضوعة!! والذي يقول هذا إنسان لا يحسن الصلاة..
وامرأة فاجرة عندنا في مصر، تتباهى بأنها أول امرأة تلبس الشورت في الجامعة.. امرأة تتباهى بأنها أول من خرق العرف والدين على الرغم من صعوبة خرق العرف في بلادنا.. فكانت عندها هذه الجراءة في الباطل ويتاح لها المجال للحديث عن فجورها.. فياعجباً..
عدالة الصحابة:
- فوجئنا أخيراً بسلسلة حلقات وردود للشيخ د. محمد سليمان الأشقر على صفحات الجرائد يسقط فيها عدالة الصحابي أبي بكرة ويسقط مروياته، حتى استغل العلمانيون مثل تلك الردود للوقيعة بين الإسلاميين والانتصار لمشاركة المرأة السياسية.. ما تعليقكم على ذلك؟
- بعثتم لي قبل شهرين في مجلة الفرقان مشكورين نص الرد الأول للشيخ د. محمد سليمان الأشقر في هذا الموضوع وأسقط في يدي، ولأول وهلة تصورت أن الشيخ ضعف أحد الرواة وما خطر ببالي قط أن يتعرض لصحابي.. لكن لما وصلني المقال ووجدت أنه رمى الصحابي الجليل أبي بكرة بالفسق والكذب صراحة وأسقط روايته.. عجبت لرجل مثله يشتغل في الفقه ويجهل الفرق بين الرواية والشهادة والفرق بين الشاهد والقاذف وهذه كمانعلم أبجديات لا يسوغ الوقوع فيها، حتى خيل لي بصراحة أن الرجل في عقله شيء.. لأنه لو كان يدري ما يقول لا يمكن أن يقول مثل هذا الكلام، لأن هذا الكلام مليء بالمخالفات منها:
أولاً: في ذلك مخالفة للأمة جمعاء، ولا يتصور أن يفوت الحق على الأمة كلها، ولا يدركه إلا واحد من المتأخرين جداً.. فهل عندما ننظر اليوم إلى البخاري أو مسلم أو أحمد أو مالك أو غيرهم من الفقهاء يحتجون بلا نكير ولم نسمع أبداً أن أحداً تعرض لعدالة أبي بكرة على وجه الخصوص أو الصحابة عموماً، فيفوت الحق على كل هــؤلاء ثم يدركه د. الأشقر.
وهذا رد إجمالي لا يستطيع أحد أن يرده إلا أن يرمي الأمة كلها بأنها تواطأت على مثل هذا، وقد ذكره وللأسف د. الأشقر، وهذا خطير جداً، فهذا رمي للأمة كلها بالكذب، وأنا إحساناً للظن بالدكتور الأشقر، لأنه رجل له تاريخ، درس في الجامعة الإسلامية أول إنشائها وله جهود مشكورة وكتب مفيدة.. وكونه يأتي في آخر عمره ويقول مثل هذا الكلام ويصر مثل هذا الإصرار الغريب الذي لا يستند إلى برهان ولا إلى دليل، أنا عندي أن أتهمه بأنه أصيب في عقله أهون عندي من أن أقول إنه مصر على ما يقول وهو معتقد، لأن هذا برغم مرارته وأنه قد يكون اختلط في آخر عمره، كما كان يحدث لبعض الفضلاء، إلا أنهم كانوا يحجبون ولا يتكلمون حتى لا يضيع تاريخهم، أما ويأتي الأشقر ولا يفرق بين الشهادة والرواية، على الرغم من أن الأصل في الشاهد العدالة حتى تثبت إدانته، والأصل في الراوي أنه متهم حتى تثبت عدالته، ولذلك العلماء لا يقبلون رواية المجهول، ويقبلون جهالة الشاهد والقاضي إذا وقف أمامه شاهد لا يسأله ما الدليل على أنك صادق، ويدل على ذلك كلام عمر بن الخطاب في رسالته الشهيرة في القضاء إلى أبي موسى الأشعري قال له: والمسلمون بعضهم عدول على بعض إلا مجلوداً في حد أو مجرباً عليه شهادة زور.
وهذا وجه من وجوه الفرق بين الشاهد والراوي.. فيأتي على أبي بكرة كشاهد حتى لو أسقطت شهادته، فإنه مات وانتهت قصة الشهادة، وبقيت روايته التي لم يمتر أحد من العلماء فيها..
والعلمانيون بلاشك هذا توجههم؛ أناس فجرة يكرهون الإسلام والمسلمين، ولكن أن يأتي هذا الكلام الخطير من د، الأشقر سيقولون: هذا سهم رماه الأقربون!!
وصية:
- رسالة توجهونها للشيخ الأشقر عبر الفرقان؟
- أنا أوصي د. الأشقر وأنا في سن أبنائه استشعاراً لواجب النصيحة لأئمة المسلمين وعامتهم، أوصيه بتقوى الله عز وجل، وأن لا يختم حياته بهذه السوأة وهذه الوصمة، وأن يستغفر الله عز وجل من هذا ولا تأخذه العزة بالإثم
وأقول للدكتور الأشقر إن الفاضل من فضله أنه ينزل على رأي المفضول وهذا معروف، ولنا في رسول الله أسوة حسنة عندما قال له عمر: أخلّ الناس يعملوا؟ قال: خلهم ياعمر، فنزل الفاضل على رأي المفضول وهذا يدل على فضل الفاضل، ولذلك أقول: أنا طالعت بعض بحوث د. محمد الأشقر وبعض كتبه العلمية وهو رجل جيد ورجل متين في الفقه، ولم أتصور أن يصدر عنه مثل هذا الكلام في عدالة الصحابي، وأحيله بالمناسبة على الكتاب الذي نشره في عدالة الصحابي العلائي -تحقيق منيف الرتبة لمن ثبت له شرف الصحبة- وهو الذي حققه وأخرجه، فأنا أحيله على هذا الكتاب ليعيد النظر فيه مرة أخرى، لأن العلائي أثبت أنه أشرف ما يكون أن يصحب الرجل الرسول صلى الله عليه وسلم.
والدكتور الأشقر رجل أصولي يعلم أنه لا يجوز لأحد أن يخرق الاجماع وما طعن على الصحابة إلا الخارجون على السنة، من الشيعة والمبتدعة بصفة عامة والخوارج بصفة خاصة، أما أهل السنة فهم الذين يذبون عن أعراض الصحابة، فكيف يتورط الدكتور الأشقر في آخر عمره وأراد أن يختم حياته بمثل هذا الذي أنكره عليه أهل العلم جميعاً؟!
وارجو أن يعلم أن هؤلاء العلمانيين لن ينفعوه وأنهم إذا وصفوه بالاجتهاد والرأي الجرئ فلهم ألفاظ معينة يستثيرون بها الشيخ وقولهم فيه له مفعول السحر !!
وأنا أقول له لا تصغ إلى أقوال هؤلاء فإنهم يورطون وهؤلاء لا حمية عندهم وأسأل الله عز وجل أن يراجع د. الأشقر نفسه في هذا الأمر حتى لا يلطخ تاريخه وجهاده طوال هذه السنوات في آخر عمره بمثل هذا القول..
حفنة:
- في خضم ما تمر به أمتنا الإسلامية من نكبات وأحداث جسام وما يجتاحها من غزو خارجي وداخلي هنالك من يعيب على السلفيين وأهل الحديث إنشغالهم بعلم الحديث جرحاً وتعديلاً واشتغالهم بأبواب فقه العبادات عن واقع الأمة وما يحيط بها من مجريات الأحداث.. ما تعليقكم على ذلك؟
- والله إن المرء ليأسف لهذا الأمر وتلك الاتهامات الباطلة.. السلفيون هؤلاء كم نسبتهم في العالم.. كم مليونا؟ ليسوا سوى حفنة وكذا المشتغلون بالحديث، فهل نريد أن يعمل الجميع في مهنة واحدة؟! وعندما أقول أنا محدّث صرف لا أفهم في الفقه.. لا تعيّرني أنني لا أفهم في الفقه وإنما تؤاخذني إذا تكلمت في الفقه وأنا لا أحسنه.. نحن الآن بعد موت الإمام الألباني مَن من أهل الحديث يشار إليه بالبنان؟! لا أحد.. وأنا بصفتي رجل متخصص في الحديث لا أستطيع أن أعد عشرة ممن أعتقد أنهم محسنون في هذا الفن.. وقد يكون في الزوايا خبايا.. وأنا لا أجزم على الأمة كلها، ومن المفترض أن أكون أدري من غيري بهذا.. فهل يعقل أن يخدم مليار مسلم حفنة من المشتغلين بعلم الحديث وأن ينظروا في ألوف مؤلفه من الأحاديث الواردة إليناوبعد ذلك يعاب علينا هذا الأمر؟!
وما لم تكن هنالك دول تهتم بهذا العلم وتأتي بهؤلاء المجيدين في فن الحديث وعلم الجرح والتعديل وتوفر لهم الإمكانات حتى يغربلوا السنة وهذا التراث الضخم مع ما نشهده من فشو الأحاديث الموضوعة والضعيفة على ألسنة الخطباء، ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا وكذا دون علم.. فهذا والله أمر خطير واتهام باطل..
وعندما يقال: السلفيون يهتمون بعلم الحديث والفقه، نقول: إن حياة الأمة قائمة على حفظ هذا المصدر المهم لشريعتنا الغراء ولو سقط صحيح البخاري يوماً ما ستسقط الأمة كلها..
واليوم نجد أن الغزو العسكري والشأن السياسي هو الذي يحظى بالاهتمام والإنكار العام، وفي رأيي أن الهجوم على صحيح البخاري وصحيح مسلم أشد على الأمة من دخول الأمريكان إلى العراق أو من أخذ الأعداء لبلاد المسلمين.. وفي نظري أن سب النبي صلى الله عليه وسلم الذي قامت به فتاة يهودية ورسمته على هيئة خنزير حاشاه ونزهه الله عن ذلك، أمر أخطر من التعدي على الأرض.. لا قيمة للأرض في مقابل سب النبي صلى الله عليه وسلم والتطاول عليه، ومع ذلك مر هذا الأمر مرور الكرام ولم تستنكر هذا الأمر أي دولة من الدول عدا إيران فقط، وكأن هذا النبي ليس له من نصير في الأرض سوى الروافض؟!!
وهكذا سب اليهود والنصارى أعظم رجل في الدنيا ورأوا أن الرد كان باهتاً فهان عليهم كل أمر.. ليفعلوا ما يشاؤون..
وليس أدل على ذلك أيضاً من القرآن المزعوم، الذي فسروا فيه القرآن بالتوراة والإنجيل!!
كان يبنغي أن يكون جهد هذه الطائفة التي تنصر الدين وتذب عن شرع الله مشكوراً لكن التهم المعلبة للأسف لا توجه إلا إليهم، فالسلفيون العاملون المحسنون في العالم قليلون جداً جداً.. آتي عليهم وأهاجمهم.. أمر والله عجيب جداً.