تصنيفات المقال:
الردود والتعقيبات
تاريخ النشر: 25 جمادى الآخرة 1436هـ الموافق 15 أبريل 2015م
عدد الزيارات: 3369
أيها الأخوة:بعض مالم يحسن الفهم مع ما أراه من القرائن الظاهرة من سوء القصد أشاعوا عني مقالة ما اعتقدتها بقلبي يومًا من الأيام ولا تلفظ بها لساني ولا في الخلوات. فضلًا عن هذه المشاهد.
هذه المقالة الفاجرة الآثمة تقول:
إنني أكفر المسلمين بالكبيرة. فأنا أناشد طلاب العلم الذين يسمعونني منذ قرابة خمسة وعشرون سنة وأنا أخطب على المنابر. هل سمعوا مني في يوم من الأيام أنني قلت أن فاعل الكبيرة كـافر!!
فو الله ما اعتقدتها يومًا من الأيام حتى وأنا حدث في الطلب. إنما غرهم عبارة سمعوها مع ما أراه من القرائن الظاهرة من سوء القصد.
سمعوا مقالة لي هي أنني قلت: "إن المَصِر مستحل"، ثم ضربت مثلًا فقلت: "لو قال رجلًا إن الله عز وجل حرم الربا ولكني آكله فذا كافر لا إشكال في كفره". هذه العبارة التي قلتها.
قــالوا: المصر مستحل!! هذا لم يقل به أحد.
قلت : أنا ما تكلمت عن من هو المصر؟ و ما ورد في كلامي أصلًا تعريف المصر. و لكن إذا كان الكلام مجملًا (وهذا كلام أهل العلم) ثم ورد بعده مَثَل فينبغي أن نرد الكلام المجمل للمثل لأن الأمثال من باب المبين ولذلك يضربها الله عز وجل لتبين الكلام.
قال عمرو بن مرة: "إذا سمعت مثلًا ضربه الله عز وجل فلم أفهمه بكيت على نفسي. لأن الله عز وجل يقول: {وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ ۖ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43].
فكل الأمثال من باب المبين. فأنا إذا قلت: "إن المصر مستحل" هذا كلام مجمل. ثم قلت مثال -حتى أبين معنى الكلام السابق- إذا قال رجلًا إن الله حرم الربا أو حرم الزنا أو حرم العقوق أو حرم أي شيء لكني أفعله. فهذا واضح أنه كفر إباء. و لكني ما قلت من هم المصر. فحين إذن أبين برغم أن الصورة في غاية الجلاء وغاية الوضوح.
المصر: ليس هو الذي يفعل الذنب ويكرره ولو مرارًا.
إن تكرار الذنب لا يدل على الإصرار. و يدل عليه أحاديث كما قال صلى الله عليه وسلم فيما يحكيه عن رب العزة من حديث أبي هريرة عند مسلم، قال الله عز وجل: « أذنب عبدي ذنبًا، فقال ربي: إني أذنبت ذنبًا فاغفر لي، فقال الله عز وجل: علم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، ثم أذنبت ذنبًا، فقال ربي: إني أذنبت ذنبًا فاغفر لي، فقال الله عز وجل: علم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، غفرت لعبدي ثم أذنبت ذنبًا، فقال مثل هذه المقالة فقال الله عز وجل: علم عبدي أن له ربًا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، غفرت لعبدي فليفعل عبدي ما شاء».
العبد إذا كرر الذنب مرارًا و تكرارًا لا يدل على الإصرار، والفعل بمجرده أيضًا لا يدل على الإصرار.
يعني واحد واضع أمواله في البنوك، فيقال له هذا رِبا، فيقول: الله يتوب عليه أعمل إيه. لا أجد من يشغل لي أموالي، الأمانة راحت، وضعنا أموالنا في الشركة الفلانية سرقوها، وضعناها في الشركة العلانية سرقوها، أنا ماذا أفعل؟ ربنا يتوب عليه.
هذا لا يكفر وإن كان مرتكبًا لهذه الكبيرة الموبقة، وهو وضع الأموال في البنوك، أنسوى بين هذا الذي قال هذا الكلام و بين من يقول: إن الله حرم الربا و لكني آكله، من الذي يسوي بين هذا في العالمين؟؟
لا يشك أحد في كفر هذا الجنس على الإطلاق، والتكفير حق الله تعالى لا يحل لأحد أن يقدم عليه إلا بدليل أوضح من شمس النهار، و قد نقل العز بن عبد السلام إجمـاع العلماء أن من قال (في العلم الضروري) إن الظهر ركعتان أو العصر ركعتان أو المغرب أربعة أو الأوقات ثلاثة أنه كـافر بإجماع المسلمين.
لماذا؟ لأن معرفة عدد الصلوات وعدد الركعات من العلم الضروري الذي يستوي فيه علم الخاصة والعامة. أما العلم الذي لا يتوصل إليه إلا الخاصة فلا يكفر العاميّ باستحلاله، إنما يكفر العالم الذي عرف هذه الجزئية فخالفها جحودًا واستكبارًا.
و التكفير كما يقول أهل العلم سمعي ولا علاقة له بالدلائل العقلية حتى وإن كانت ضرورية.
كلنا نعلم أن العشرة أكبر من الاثنين وأكبر من الخمسة وأكبر الستة. كلنا يعلم هذا علمًا ضروريًا عقليًا. فلو قال قائل إن الثلاثة أكبر من العشرة. خالف العلم الضروري العقلي أم لا؟ خالف العلم الضروري العقلي. ومع ذلك لا يكفره أحد قط من المسلمين برغم أنه خالف ضرورة العقل وما اتفق عليه الكل لكن لم ينزله الله فى كتابه ولم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيكون حين إذن داخل في باب التكفير. إنما الذي يجحد ما أنزل الله ويصر على أن يخالف الله سبحانه وتعالى هذا كافر لا شك في ذلك وأنا لا أعلم أحد من أهل العلم خالف في هذا.
فكيف يقال أني أكفر فاعل الكبيرة؟ مجرد فعله للكبيرة. هذا بهتــــان عظـــيم. أسأل الله تبارك و تعالى أن يهدي هؤلاء المفترين.
إن أبا العتاهية قال:
إلى ديان يوم الدين نمضي ****وعند الله تجتمع الخصوم
وما من أحد تصدر لتعليم أو تدريس أو وعظ إلا افتري بعض الناس عليه وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من أكثر الناس بلاءً بهذا ولعلي لا أبالغ إن شاء الله إذا قلت: أن الحسنات التي كسبها شيخ الإسلام ابن تيمية بافتراء أعدائه عليه لعلها تساوي الحسنات التي كسبها بعلمه وجهاده.
مراتب العلم:
إن أول مراتب العلم :1-حسن السؤال، 2-ثم حسن الاستماع 3-ثم حسن الفهم.
و إنما ســاء فهم هؤلاء لأنهم ما أحسنوا الاستماع. لو أحسنوا لردوا المجمل إلى المبين كما قال أهل العلم.