تصنيفات المقال:
التاريخ والقصص
تاريخ النشر: 16 شعبان 1436هـ الموافق 3 يونيو 2015م
عدد الزيارات: 7411
الإمام البخاري أورد عدة أحاديث في كتاب فضائل الصحابة تحت هذا العنوان، قال: باب فضل عائشة -رضي الله عنها-، قال حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب قال: أبو سلمة إن عائشة -رضي الله عنها- قالت: (قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما يا عائشة أو يا عائش -هكذا من وجهين،- هذا جبريل يقرئك السلام- فقلت وعليه السلام ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى) تريد رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- والعلماء تكلموا في هذا الحديث وهم يقارنون بين عائشة وبين خديجة -رضي الله عنهما- وأن جواب خديجة كان أجود، وجبريل –عليه السلام- لما رآها قال للنبي –صلى الله عليه وسلم- يا رسول الله هذه خديجة قد جاءت بإدام أو قال جاءت بطعام فأقرأها السلام من ربها ومني.
قالوا: هذا فيه دلالة على فضل خديجة: لماذا؟ لأن الله –عزوجل- هو الذي سلم عليها وجبريل أيضا سلم عليها وطبعا يعني هذا الكلام وحده ليس قاطعا للنزاع وإن كنت أعتقد في الجملة فضل خديجة -رضي الله عنها.
المسألة فيها تفصيل، أما من جهة الأمة فعائشة أفضل للأمة وأما من جهة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فخديجة أفضل لرسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
وعائشة أفضل للأمة لأنها عاشت بعد النبي –صلى الله عليه وسلم- أربعين سنة وزاد الحافظ ابن حجر أنها عاشت بعده خمسين سنة، لكن على أي حال توفي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عنها وهي ابنة ثمانية عشر عاما، وتوفيت -رضي الله عنها- سنة 58، وصلى عليها أبو هريرة -رضى الله عنه-.
فهي من جهة الفقه كانت فقيهة الأمة وكان يرجع إليها كبار الصحابة بدءا من أبيها أبي بكر -رضى الله عنه- إلى آخر صحابي، وقد جمع الإمام بدر الدين الزركشي رحمه الله كتابا ممتع اسمه (الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة)، وذكرهم صحابيا صحابيا، ما استدركته عائشة عليهم بما عندها من العلم النبوي.
قال البخاري رحمه الله: حدثنا آدم، آدم هذا هو ابن أبي إياس، قال حدثنا شعبة ح وحدثنا عمرو قال أخبرنا شعبة عن عامر بن مرة عن مرة هو الطيب عن أبي موسى الأشعري -رضى الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كمل من الرجال كثير، تقرأ يقول كمل: مثلثة الميم، كمل الميم مثلثة، مثلثة أي تقبل الحركات الثلاثة، «كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا مريم بن عمران وآسيا امرأة فرعون وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام».
قال بعض العلماء :إن لفظة النساء هي عام ولكنه عام مخصوص، عام خص، لأننا عندنا أحاديث أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: أفضل النساء خديجة وفاطمة، فحمل ابن حبان رحمه الله النساء في هذا الحديث على خصوص أزواج النبي –صلى الله عليه وسلم-، حتى لا تتصادم النصوص، يبقى وفضل عائشة على النساء أي على نسائه –صلى الله عليه وسلم- كفضل الثريد على سائر الطعام، قال: حتى لا يتعارض هذا مع ما ورد عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من فضل خديجة وفضل فاطمة رضي الله عنهن، .
قال البخاري رحمه الله: حدثنا محمد بن بشار قال حدثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد، قال حدثنا ابن عون عن القاسم بن محمد أن عائشة -رضي الله عنها- اشتكت فجاء ابن عباس فقال « يا أم المؤمنين تقدمين على فرط صدق على رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وعلى أبي بكر».
يعني كأنما يجزعها كما فعل ابن عباس مع عمر -رضى الله عنه- لما طعن، كما في صحيح البخاري، قال ابن عباس له نجزعه، أي وإن كان، أي هب أنك ستموت، مت ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- عنك راض وأبو بكر عنك راض ومت والرعية عنك راضية، فقال: ( إليك عني يا ابن عباس، وددت أني كنت نسيا منسيا).
فكأنما يجزعه، يعني كأنما يقول إنك ستموت وهب أنك مت الآن فقد حدث كذا وكذا ورضي عنك النبي –صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وهكذا، كذا قال ابن عباس لعائشة -رضي الله عنها- قال « ياأم المؤمنين تقدمين على فرط صدق ».
والفرط: هو كل ما سبقك يقال إنه فرط.
وهذا رد على الشيعة: وهذا كلام ابن عباس، لأن ابن عباس مستثنى لأنه من آل البيت عندهم، فهذا أيضا مستثنى فتلك تزكية لعائشة -رضي الله عنها-، كان طبعا أسانيدنا لا قيمة عند الشيعة، كما أن أسانيد الشيعة جميعا لا قيمة لها عندنا، .
قال البخاري حدثنا محمد بن بشار قال: حدثنا غندر، غندر الذي هو محمد بن جعفر، قال حدثنا شعبة عن الحكم سمعت أبا وائل قال، لما بعث علي عمار والحسن إلى الكوفة ليستنفرهم خطب عمار فقال إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها. وهذا طبعا حدث في أيام فتنة الجمل، وعمار بن ياسر كان في معسكر علي رضي الله عن الجميع، فلما رأي عائشة تكلم بهذا الكلام.
أصل الفتنة التي جرت بين علي ومعاوية ما سببها؟
سببها مقتل عثمان -رضى الله عنه- وأن بني أمية طلبوا من علي أن يسلم قتلة عثمان؛ لأن من حق أولياء القتيل أن يقتلوا من قتل، لأنهم أولياء الدم، وكانت فتنة قتل الخليفة، فاستمهلهم علي بن أبي طالب وقال يعني أنني لو بدأت أخذت قتلة عثمان وهم من قبائل شتى سيتسع الخرق على الراقع، فأبوا وقالوا: لا، لابد أن تسلم لنا قتلة عثمان.
فلما أبى علي –رضى الله عنه- قالوا إنك لست ممكننا حينئذ وبدأ يحدث نوع من التناوش، فما خرجوا على علي؛ لأن عليا ليس جديرا بالخلافة أبدا، بل كان معاوية يعتقد أن عليا أفضل منه، وإنه كان جديرا بالخلافة، وما نازعوه على الخلافة في الأصل إنما كانت المسألة مقتل عثمان ثم كما قلت اتسع الخرق على الراقع، فإذن الإمام الممكن آنذاك ولي الأمر هو علي بن أبي طالب لأن المسلمين اختاروه لكن حدث هذا الانشقاق ليس بسبب الصراع على الخلافة وأكرر هذا الكلام إنما كان بسبب أنهم يريدون دم عثمان -رضى الله عنه- ، فلما رأي عمار بن ياسر عائشة -رضي الله عنها- وقد جاءت خطب في المسلمين وقال هذه العبارة: إني لأعلم أنها زوجته في الدنيا والآخرة ولكن الله ابتلاكم لتتبعوه أو إياها.
طبعا الهاء هنا، العلماء اختلفوا في الهاء، الضمير عائد على من؟ لتتبعوه أي علي بن أبي طالب باعتباره هو الخليفة، أو لتتبعوه عائدة على رب العالمين تبارك وتعالى، والذي صححه أهل التحقيق أنها تعود على رب العالمين سبحانه وتعالى، إنه لا يجوز لأحد أن يناوئ ولي الأمر على منصبه، لاسيما بعدما اختاره المسلمون، فكان أمر الله قدرا مقدورا وانتهت القصة بمقتل عمار ومقتل طلحة ومقتل الزبير وكانت مجزرة بمعنى الكلمة، وقتل خيار المسلمين آنذاك، وحدث كما تعلمون، كل ما أتذكر الفتنة أشعر بشيء من …
قال البخاري حدثنا عبيد بن إسماعيل حدثنا أبو أسامة عن هشام عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أنها استعارت من أسماء قلادة فهلكت فأرسل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ناسا من أصحابه في طلبها فأدركتهم الصلاة فصلوا بغير وضوء فلما أتوا النبي –صلى الله عليه وسلم- شكوا له ذلك فنزلت آية التيمم، فقال أسيد بن حضير جزاكِ الله خيرا، فو الله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لكي منه مخرجا وجعل للمسلمين فيه بركة.
طبعا هذا واضح في فضل عائشة -رضي الله عنها- وقد روى البخاري هذا الحديث في عدة مواضع من صحيحه يمكن في مواضع الطالب العشرة:
أول موضع روى فيه هذه الحديث رواه في كتاب التيمم في سياق أبسط من هذا، قال: البخاري حدثنا عبد الله بن يوسف قال: أخبرنا مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه القاسم بن محمد عن عائشة زوج النبي –صلى الله عليه وسلم- قالت: خرجنا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء أو بذات الجيش انقطع عقد لي، وقد انقطع عقد عائشة مرتين، مرة في هذه الغزوة ومرة في غزوة المريسيع أو في غزوة بني المصطلق التي حصل فيها حادثة الإفك.
قالت فأقام رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على التماسه وأقام الناس وليس معهم ماء، أو وليسوا على ماء، فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء، فجاء أبو بكر و رسول الله –صلى الله عليه وسلم- واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال: حبست رسول الله –صلى الله عليه وسلم- والناس وليسوا على ماء، يعني ليس على بئر ماء وليس معهم ماء، قالت عائشة فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعنني بيده في خاصرته، وهو يكلمها يطعنها في جنبها كيف أنها فعلت ذلك، قالت: فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على فخذي.
طبعا هي هنا قالت فقال أبو بكر ما شاء الله أن يقول: ولم تقل فقال أبي، لماذا؟ لأنها كانت واجدة وهي تتكلم، فكما حدث لعائشة مع النبي –صلى الله عليه وسلم- فإنه قال لها يوما إني لأعلم غضبك من رضاك، قالت وكيف ذلك يا رسول الله، قال: إذا كنت علي غضبى، تقولين: لا ورب إبراهيم، وإذا كنت عني راضية تقولين: لا ورب محمد، فقالت: والذي نفسي بيده ما أهجر إلا اسمك.
يعني عائشة لما تغضب تقول ورب إبراهيم ولا تذكر اسم النبي –صلى الله عليه وسلم- لأنها غضبى، فهذا كان لنكتة، مثل الرسول عليه الصلاة والسلام لما قال والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها، لم يقل لو سرقت فاطمة ابنتي لقطعت يدها، يريد أن يقول إنها في الحد سواء مع سائر المسلمين أنا لست أباها في إقامة الحد، لم يقل ابنتي، إنما لو قال لو سرقت فاطمة بنت محمد فتستوي مع سائر المسلمين في مسألة الحد.
قالت: وجعل يطعنني بيده في خاصرتي فما يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على فخذي، فقام رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حين أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم، فقال أسيد بن حضير ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر.
فسبب انقطاع العقد نزلت آية التيمم وهي من أعظم الرخص التي يسرت على المسلمين أمرهم، بحيث إن المرء إذا فقد الماء أو عجز عن الماء فإنه يتيمم والتيمم كما هو معروف ضربة واحدة للوجه والكفين. حتى لو كان المرء جنبا، لو كان المرء جنبا هل يضرب مرتين مرة لرفع الجنابة ومرة للوضوء؟ الجواب: لا، بل هي مرة واحدة ترفع الجنابة وتثبت الوضوء، كما في الحديث وهو في صحيح البخاري وغيره لما جاء رجل إلى عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- فقال إني أجنبت ولا أجد ماءا، قال: لا تصلي حتى تجد الماء، فقال عمار بن ياسر يا أمير المؤمنين أو لا تذكر يوم كنا في غزوة كذا فأجنبنا أنا وأنت فأما أنت فلم تصل أما أنا فتمعكت في التراب يعني تمرغ في التراب على أساس إن الرمل يصل لجسمه كله، فأتينا النبي –صلى الله عليه وسلم- فقال: «كان يكفيكما ضربة للوجه والكفين»، فقال عمر يا عمار اتق الله؛ لأن عمر نسي الواقعة تماما، فقال عمار يا أمير المؤمنين إن شئت لم أحدثك، قال: لا بل نوليك ما توليت.
ففي هذا الحديث :أن النبي –صلى الله عليه وسلم- مع علمه بجنابتهما قالا كان يكفيكما ضربة للوجه والكفين.
قال البخاري حدثنا عبيد بن إسماعيل قال حدثنا أبو أسامة وهو حماد بن أسامة، عن هشام عن أبيه، «أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لما كان في مرضه جعل يدور في نسائه ويقول أين أنا غدا، أين أنا غدا، حرصا على بيت عائشة، قالت عائشة فلما كان يومي سكن» أي لم يقل أين أنا غدا، لأنه وصل إلى بيت عائشة -رضي الله عنها- وهذا الإسناد ظاهره الإرسال، لماذا لأنه يقول عن هشام وهو هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وعروة تابعي لم يدرك رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، يبقى هذا صورته صورة المرسل، لكن هو موصول بدلالة آخره، لأن في آخره، قال، قالت عائشة فلما كان يومي سكن. فهذا مما يدل على أن عروة تلقاه عن عائشة -رضي الله عنها.
يبقى هذا صورته صورة المرسل لكنه موصول بدلالة آخر الكلام، هذا فيه فضل ظاهر لعائشة -رضي الله عنها- وهو حرصه –صلى الله عليه وسلم- على بيتها، وحتى يعني هي -رضي الله عنها- قالت مات رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على حجري، وقد اختلط ريقي بريقه، لآن آخر شيء الرسول –صلى الله عليه وسلم-فعلها لما دخل عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده سواك، والنبي –صلى الله عليه وسلم- كان يحب السواك، ففهمت عائشة أنه يريد السواك، وهذا من كثرة عشرتها له –صلى الله عليه وسلم-، مجرد ما ينظر مثلما نقول دائما، ولما أنا قلت في برنامج الفضفضة إن النساء فيه منهم أغبياء، فثاروا وزعلوا قالوا كيف نحن أغبياء، لا والله فيهم أغبياء جدًا، يعني المرأة التي تتزوج رجلا عشرين سنة ولا تعرف نظرة الرجل أين تتجه ولا الرجل ماذا يريد؟ هذه امرأة غبية. الذي يزعل من هذا الغبية فعلا، لكن المرأة التي فاهمة لماذا تغضب؟ لا تغضب.
فعائشة -رضي الله عنها- مجرد ما نظر إلى عبد الرحمن عرفت أنه يريد السواك، فأخذت السواك وقضمته ولينته بريقها ثم أعطته رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، لأجل هذا نقول اختلط ريقه بريقي ومات على حجرها وكان يستبطئ يومها، وكما في الصحيح أيضا استأذن زوجاته –صلى الله عليه وسلم- أن يمرض في بيت عائشة، استأذن أن يسقط القسم، مع أن القسم لم يكن واجبا عليه –صلى الله عليه وسلم- ولكنه كان يقسم رحمة وحسن خلق. أي كأنه أوجب ذلك على نفسه عليه الصلاة والسلام وإن لم يكن واجبا عليه بأدلة الشرع.
قال البخاري رحمه الله حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب قال حدثنا حماد حدثنا هشام عن أبيه لعروة قال: «كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت عائشة فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة» انظر إلى التعبير الجميل، صواحبي الذين هم ضرائرها، لا تستخدم لفظ الضرة أبدا، وإن كان محمد بن سيرين كما رواه الإمام النسائي في جزء له من إملاءه بسند صحيح، كان يقول إنها لا تضر ولا تنفع، أي الضرة، كان يكره المرأة ضرة، وإنما كان يسميها جارة أو كان يسميها صاحبة، «فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة فقلنا يا أم سلمة والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير كما تريده عائشة فمري رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيثما كان أو حيثما درى».
الرسول عليه الصلاة والسلام لم يوافق على هذا لما فيه من التعرض لما في أيدي الناس، يعني لا يجمل بآحاد الناس فضلا عن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن يقول قال والله إذا أحببت أن تعطيني هدية فيما يستقبل يعني أبقى هاتها لي في البيت الفلاني، يعني آحاد الناس من أهل المروءات ما يفعلونها فكيف برسول الله –صلى الله عليه وسلم- يتعرض لهدايا الناس ويقول اهدوا إلي حيث كنت في النساء.
قال: «فذكرت ذلك أم سلمة للنبي –صلى الله عليه وسلم- قالت: فأعرض عني فلما عاد إلي ذكرت له ذاك فأعرض عني، فلما كانت الثالثة ذكرت له فقال يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فوالله ما نزل الوحي علي وأنا في لحاف امرأة منكن غيرها» وهذا طبعا فيه فضيلة ظاهرة لعائشة -رضي الله عنها.
وقد روى البخاري هذا الحديث بسياق أطول في كتاب الهبة، قال حدثنا إسماعيل قال حدثني أخي، إسماعيل هذا لما تراه في صحيح البخاري حدثنا إسماعيل قال حدثني مالك أو قال حدثني أخي، يبقى هو إسماعيل بن أبي أويس، إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس بن أخت الإمام مالك رحمه الله، وأخوه أبو بكر اسمه عبد الحميد، عن سليمان، سليمان هو الأعمش، عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- أن نساء رسول –صلى الله عليه وسلم- كن على حزبين، فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية وسودة، والحزب الآخر أمة سلمة وسائر نساء رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، وطبعا التحزب هنا كما ذكرت قبل ذلك ليس المقصود به التحزب الذي قد يرد على الذهن، إن هم ماسكين لبعض السكاكين، ويغيظوا فيه بعض والحزب هذا يكيد لهذا، لا، لكن القصد مسألة التحزب هنا الميل، الميل، يعني عائشة تميل إلى أكثر إلى صفية وتميل أكثر إلى حفصة وتميل أكثر إلى سودة، لاسيما وسودة تركت ليلتها لعائشة، يعني سودة فرقت وخافت أن يطلقها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لما كبرت، فوهبت ليلتها لعائشة -رضي الله عنها- فكانت يعني أسيرة لدى عائشة -رضي الله عنها.
هذا معنى التحزب، قالت: وكان المسلمون قد علموا حب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لعائشة، فإذا كانت عند أحدهم هدية يريد أن يهديها إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أخرها حتى إذا كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في بيت عائشة بعث صاحب الهدية إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في بيت عائشة، فكلم حزب أم سلمة فقلن لها كلمي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يكلم الناس فيقول من أراد أن يهدي إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم-هدية فليهدي حيث كان من نساءه، فكلمته أم سلمة بما قلن فلم يقل لها شيئا، فسألنها فقالت ما قال لي شيئا، فقلن له فكلميه، قالت فكلمته حين دار إليها أيضا فلم يقل لها شيئا، فسألنها فقالت ما قال لي شيئا، فقلن لها كلميه حتى يكلمك فدار إليها فكلمته فقال لها لا تؤذيني في عائشة فإن الوحي لم يأتيني وأنا في ثوب امرأة إلا عائشة، قالت فقلت أي أم سلمة أتوب إلى الله من آذاك يا رسول الله.
بيت مثالي جدًا، الذي يريد أن يقبس مكارم الأخلاق ويقبس الإنصاف ويقبس الديانة فلينظر إلى بيت رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، يعني أم سلمة أصلا كانت امرأة غيرة، شديدة الغيرة، فلما بعث النبي –صلى الله عليه وسلم- إليها ليتزوجها اعتذرت قالت إنني كبيرة وإني لي صبيان وأنا امرأة غيور، قال: فأما قولك كبيرة فأنا أكبر منك، وأما صبيانك فإلى الله ورسوله، وأما غيرتك فسأدعوا الله أن يذهبها عنك، وقد كان، هذه الغيور كما في مسند الإمام أحمد قال لها عروة بن الزبير، قال لأم سلمة ألا ترين أو ألا تنظرين إلى ما تحدث به عائشة أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان يقبلها وهو صائم، فقالت أم سلمة لعله كان لا يتمالكها حبا، أما إياي فلا، لا يوجد غيرة ولا فيه أي شيء.
كلام هادئ جدًا بسبب الدعوة المباركة أن النبي –صلى الله عليه وسلم- دعا الله أن يذهب عنها الغيرة، وطبعا هذا مما يدل على أن الغيرة مما تعاب المرأة به، لأنها لو كانت شيئا محمودا لما دعا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بإذهابها عن أمة سلمة، لو كانت فضيلة أو أن المرأة ترتقي به، لأن الغيرة من الغل، ولكن الرسول عليه الصلاة والسلام تجاوز للنساء في الغيرة لماذا؟ لأنهن جبلن على ذلك، فإذا كن جبلن على ذلك فقد تسامح الشرع معهن في ذلك، بشرط ألا يتعدين حدود الله تبارك وتعالى بهذه الغيرة.
قالت عائشة -رضي الله عنها- ثم إنهن دعون فاطمة بنت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فأرسلت إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- تقول إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي بكر، فكلمته فقال يا بنيه ألا تحبين ما أحب، قالت: بلى، فرجعت إليهن فأخبرتهن، في صحيح مسلم قالت عائشة فدخلت فاطمة ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- في لحافي فلما رآها قال أهلا بابنتي فجلست فقال ما جاء بك؟ قالت: إن نساءك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة، قال أي بنيتي أتحبينني؟ قالت: أجل يا رسول الله قال: فأحبي هذه.
أخذت فاطمة الجواب ثم رجعت إلى أزواج النبي–صلى الله عليه وسلم-وكن مغتبرات في بيت إحداهن، فقلن بعدما رجعت فاطمة إليهن، فقلن ارجعي إليه فأبت أن ترجع، وقالت كما في صحيح مسلم، قالت والله لا أراجعه فيها أبدا، فأرسلن زينب بنت جحش فأتت فأغلظت وقالت إن نساءك ينشدنك العدل في بنت أبي قحافة فرفعت صوتها حتى تناولت عائشة وهي قاعدة فسبتها، وطبعا هذه في رواية مسلم ثناء عائشة على زينب وأنها كانت أقوم لله –عزوجل- بالحق، وما رأيت امرأة أشد تبذلا في نفسها للعمل الذي تقرب به إلى الله –عزوجل- من زينب وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله –صلى الله عليه وسلم-لم يكن فيها غير حدة أو غير ثورة كانت تسرع منها الفيئة، يعني حتى العيب الذي ذكرته في زينب اعتذرت عنها، وقالت: نعم كان فيها حدة ولكنها كانت ترجع إلى الحق بسرعة وتفيئ إليه.
قالت عائشة حتى إن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لينظر إلى عائشة هل تتكلم، ساكت عليه الصلاة والسلام ونظر إلى عائشة هل تتكلم، في رواية مسلم قالت عائشة فنظرت إليه هل يكره أن أنتصر وطبعا لا تنافي هي نظرت له وهو نظر لها، يعني نظر إليها هل تتكلم، وهي نظرت إليه لو تكلمت هل يزعجه ذلك، ويثوره ذلك، قالت كما في صحيح مسلم فلما علمت أن لا يكره أن أنتصر قمت لها فأفحمتها، وهنا تقول عائشة فتكلمت عائشة ترد على زينب حتى أسكتتها، قالت فنظر النبي –صلى الله عليه وسلم- إلى عائشة وقال: إنها بنت أبي بكر، أي لها حجة وأنها لا تغلب.
وهذا الحديث واضح الدلالة في أن حب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لعائشة فشى وظهر حتى كان معروفا بالاضطرار يعرفه الكبير والصغير، ويعرفه العالم ويعرفه الجاهل، ويعرفه الذكر ويعرفه الأنثى وأن هذا فشا عند الصحابة أجمعين حتى أنهم كانوا يخصون ليلة عائشة بالهدية تقربا إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، على القاعدة المعروفة حبيب حبيبي حبيبي.