تصنيفات المقال:
الزهد والرقائق
تاريخ النشر: 12 شعبان 1436هـ الموافق 30 مايو 2015م
عدد الزيارات: 8072
يقول ابن الجوزي رحمه الله: " أتدري من الرجل؟ الرجل والله من إذا خلـى بما يحبُ من المحرمِ وقدر عليه وتقلقل عطشاً إليه، نظر إلـى نظر الحق إليه فاستحيـا من إجالة همه فيما يكرهه فذهب العطش"
فأنا قلت هما درجتان:
الدرجة الأولـى: أن يجول الهم فـي النفس.
الدرجة الثانيـة: أن ينتقل الهم إلـى الجوارح فيقع الفعل.
ابن الجوزي هنا تكلم عن الدرجة الأولـى، لأنه لا يصل إلـى الدرجة الأولـى إلا الرجل، وأنا معنـي بتعريف من هو الرجل، وما هي الرجولة:
تعريف الرجولة:الرجولة هنا ليس هو نوع الذكر الذي هو ضد الأنثـى، لا، إنما الرجولة هنا معناها الفتوة.
الفتوة معناها المروءة، فالرجولة هنا لا تقتصر علـى الرجل بل قد تكون فـي المرأة، طالما أنها صفة.هناك امرأة رجل،أي: تلبست بصفات الفتوة.
أما الفتوة فقد تكلم العلماء كثيرا فـي تعريفها.
وأول من تكلم فيها جعفر الصادق رحمه الله" سأله رجل قال له ما هـي الفتوة؟ فقال له جعفر: ما تقول أنت؟ قال: "إن أُعطينا شكرنا، وإذا مُنعنا صبرنا فقال: له جعفر كذلك يفعل الحمار، أما الفتوة عندنا فإن أعطينا آثرنا وإن منعنـا شكرنا" فارتقـى درجة.
مايريده الشيخ حفظه الله بمعني الفتوه الآن:
هو ما وقع فـي كلام الإمام أحمد- رحمه الله تعالـى،- لما سأل عن الفتوة، فقال: "ترك ما تهوى لما تخشـى" أنت تهوى شيئا ما فيه معصية، هذه المعصية تأخذ للنار أو تسخط الرب عليك، فلأجل هذه الخشية، تركت ما تهوى، هذا هو الرجل، فالرجولة صفة لا يتصف بها إلا قليل من الخلق.
المقصود بالفتوة عند الفضيل ابن عياض : التجاوز عن عثرات الإخوان.
ولا أعلم أحدا وفـى الفتوة حقها علـى وجهها إلا نبينا -صلي الله عليه وسلم-
هل تعرف متـى؟ فـي يوم القيامة: حديث أبـي هريرة، حديث أبـي سعيد ألخدري-م- حديث الشفاعة: "لما تدنوا الشمس من رؤوس العباد وقد استوفـى الله غضبه يوم القيامة، كما قال الأنبياء إن الله غاضبٌ اليوم غضباً ما غضبه قبل ذلك قط، ولا يغضبه بعد ذلك قط".
لأن الله تبارك وتعالـى لو استوفى غضبه فـي الدنيا ما قبل توبة تائب.
قال تعالي: ﴿ وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ ﴾ أي دابة......... (فاطر45.).لأن كل دابة تظلم، كما فـي أحاديث كثيرة أن الدابة العجماء (التـي ليس لها قرون )تنتصف من الدابة القرناء يوم القيامة، فهما الاثنان يقومان بالرعـي فـي الحقل التـي لها قرون، نطحت التـي ليس لها قرون، الجماء، فتقوم الجماء بنطح القرناء، ونحن نعرف أن الدواب غير مكلفة.
كما قلت لكم فـي هذا الدرس ميزان عدل الله عز وجل تظهر فيه الذرة، ومثقال الذرة، فالله تبارك وتعالـى غاضب غضبا شديدا، وكل الناس لا تعرف أين تذهب، أو من تكلم، أفواج، أفواج، أفواج، فقال: بعضهم لبعض ألا ترون ما نحن فيه، نريد أن نتجه لأي شخص يفك هذا الكرب، قالوا: عليكم بالأنبياء.
فذهبوا إلـى آدم، فذكر خطيئته وقال نفسـي نفسـي، إن الله غاضب اليوم غضبا، أي نفس العبارة التـي قالها كل الأنبياء.قالها آدم عليه السلام، قالها نوح عليه السلام، قالها إبراهيم عليه السلام، قالها موسـى عليه السلام، قالها عيسـى عليه السلام، كل منهم يقول نفسـي نفسـي، إلا النبـي_ صلي الله عليه وسلم_، قال أمتي أمتي.
إذن المروءة أو الفتوة هـي: أن تخدم الغير، أن تضحـي من أجل غيرك، وقد رأينا معنـى الرجولة والفتوة فـي كثير من مواقف الصحابة والتابعين، بل حتـى فـي زمان الناس اليوم، هناك كثيرون من أهل الفتوة.
ربنا تبارك وتعالـى لما ذكر الرجولة بمعنـى الفتوة، قال: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ ﴾.. (الأحزاب23.) إذن الرجولة هنا بمعنـى الفتوة، ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ﴾...( التوبة108)﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾ .... (النور37 ) الرجولة هنا بمعنـى الفتوة فـي هذه المواضع، أما فـي بقية المواضع فالرجل الذي هو النوع، نوع الرجل بخلاف ضد الأنثـى.
روح الفتوة، أي معدن الرجولة، ولب الرجولة، ظهرت فـي كثير من مواقف الصحابة.
مثلا: جابر ابن عبد الله الأنصاري :لما كان يوم أحد أرسل إليه أبوه،( عبد الله ابن حرام-ت-) جاءه ليلاً قال له يا بنـي إنـي أرانـي سأُقتل فـي أول من يُقتل من أصحاب النبـي -صلي الله عليه وسلم- فاستوصي بأخواتك خيرا وكان لعبد الله بن حرام .تسع بنات، وجابر الابن الوحيد، فلما دارت الحرب يوم أحد قتل عبد الله ابن حرام- ت- فمرت الأيام، وبعد ذلك فـي غزوة أخرى من الغزوات، الصحابة قفلوا راجعين، فجابر ابن عبد الله أعيا تعب فلا يريد أن يتحرك يضربه فلا يريد أن يتحرك، قال: "والهف أُمِياه ما زال لنا ناضح سوء هذا الجمل لا يريد أن يتركنـي أبدا" فجأة سمع صوت النبـي- صلي الله عليه وسلم- يقول: من؟ قلت: بأبـي أنت وأمـي يا رسول الله، أنا جابر، قال: ما دهاك؟ قلت: أعيا جملـي، قال أمعك عصـى؟ فناولته العصا، ضرب الجمل ضربة، ضربتين، انتفض الجمل وقد دبت إليه العافية.
النبـي-صلي الله عليه وسلم- يمشـي مع جابر، ثم جعل جابر يسبق ناقته فيشد خطام الجمل، هذا الجمل المتعب الذي لم يكن من قبل قادراً أن يقوم أصبح معافـى لدرجة انه يسبق ناقة النبـي- عليه الصلاة والسلام،- وفي أثناء سيرهما فالنبـي عليه الصلاة والسلام كعادته عليه الصلاة والسلام، يتفقد أصحابه فيتسامر مع جابر ابن عبد الله.
فيسأله :ما أخبارك؟ وأنا أراك ما أعجلك يا جابر، تسرع؟
قال: إنـي حديث عهد بعرس ،قال:( بمن تزوجت؟ قال: فقلت له: بأييم كانت بالمدينة،- امرأة ثيب لا زوج لها- فقال له: "هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك "فقال: يا رسول الله إن عبد الله ترك لـي تسع نسوة خرق).
الخرقاء: (أي التـي لا تحسن تدبير أمرها) فكرهت أن آتيهن بخرقاء مثلهن، فقلت: هذه أرشد لأمري-هذه هـي الفتوة، حفظ وصية أبيه وضحـى برغبته الشخصية أن يتزوج امرأة بكرا ويحتاج لواحدة تقوم مقام الأم، لهذا النبـي-صلي الله عليه وسلم- قال له: "هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك وتضاحكها وتضاحكك" فقال: إن عبد الله ترك لـي تسع بنات خرق، فكرهت أن آتيهن بخرقاء مثلهن، فقال: أصبت ورشدت.
الله سبحانه وتعالى أسال أن يغفر لي وأن يغفر له وأن يجعل ما قلته زاداً إلى حسن المصير إليه وعتاداً إلى يمن القدوم عليه إنه بكل جميل كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلي الله وسلم وبارك على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.
* * *