تصنيفات المقال:
الزهد والرقائق
تاريخ النشر: 12 شعبان 1436هـ الموافق 30 مايو 2015م
عدد الزيارات: 4413
يقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: ( تالله لولا صبرُ عُمر َما انبسطت يدهُ بضرب الأرض بالدِرة)
وجه الدلالة: يدلل أن من ثمرات الصبر أن يسمو المرءُ في الدنيا وعاقبة الصابرين إلي خير فضرب المثل بعمر- ت-.
الدِرة : عصا لينة يحملها عمر وكان يضرب بها ويؤدب وضرب بها بعض أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-فضلاً عن غير هذا الجيل الكبير من التابعين الذين أدركوا عمر ت
يقول :( لولا صبرُ عمر َما انبسطت يدهُ بضرب الأرض بالدِرة) لا يتقدم أحد من أصحاب النبي -صلي الله عليه وسلم- عُمرَ إلا أبو بكرٍ وحده.
كان أزهد أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم-بعد أبو بكر في الدنيا وأرغبهم في الآخرة وكان أعدلهم أمن الخائف ونصر أهل الدين وأخاف أهل الفساد، أعجز من بعده أن يكون مثله ، لم يجر أحد في مضماره قط إلا سبقه،.وكان الشيطان يفرَق منه ويخاف.
كما في حديث سعدٍ ابن أبي وقاص- ت -: قال:( بينما نسوةٌ عند رسول الله–صلى الله عليه وسلم- يستكثرن عليه عاليةً أصواتُهُن إذ قِيلَ : عمرُ بالباب ، فابتدرن الحجاب- أي اختبأن خلف الستار - فدخل عمرُ وإذا النبي –صلى الله عليه وسلم- وحده يضحك ، فقال له : أضحك الله سنك يا رسول الله مما تضحك ؟ قال عجبتُ من هؤلاء يستكثرنَ علي عاليةً اصواتُهُن فلما سمعن صوتَك إبتدرنَ الحجاب فتوجه إليهن عمر وقال: أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله قلنا: نعم إنك فظ ، (وفي لفظ إنك أفظ وأغلظ من رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال عليه الصلاة والسلام : إيهً يا ابن الخطاب والله ما لقيك الشيطان سالكاً فجا إلا سلك غير فجِك)
فعمر بن الخطاب -ت -أعجز من بعده حتى أن كبار الصحابة ما كان يطمع أن يصل إلى مرتبة عمر.
ويدل على هذا: أثر رواه الإمام أحمد في مسنده بسندٍ جيد . عن أبي وائل شقيق أبن سلمة .قال: لقي عبد الرحمن بن عوف الوليد بن عقبة فقال له الوليد : (مالي أراك جفوت أمير المؤمنين عثمان؟ فقال له عبد الرحمن : إني لم أفر يوم عينين ولم أتخلف عن بدر ولم أترك سُنة عمر – يشير عبد الرحمن بن عوف إلى الذي أغضبه من عثمان فكأنه يعير عثمان بذلك بأنه فر يوم عينين – أي يوم أحد – ولم يشهد بدراً وأنه فارق سنة عمر في الحكم فخرج الوليد بن عُقبةَ وذهب إلي عثمان بن عفان وقال له ما قال عبد الرحمن بن عوف -فيقول : كيف يعيرني بذنبٍ تاب الله علي منه )لأن الله عز وجل يقول : ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ وَلَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ﴾آل عمران155)
وأما قولُهُ : (إني لم أشهد بدراً ): (فذلك أن رُقيةَ بنت رسول الله–صلى الله عليه وسلم-كانت مريضة وقمت عليها.وقسم لي رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بسهم ولم يقسم لأحدٍ لم يشهد بدراً بسهم فكأني شهدتها).
وأما قولُهُ : (تركت سنة عمر) : (فلا أنا ولا هو يقدر على سنة عمر) لأن عُمر أقصي الأدنين منه عن الحكم فعثمان بن عفان قرب أرحامَهَ وأعطاهم المناصب ، ولا يُتَصور أبداً أنه قرب فاسقاً أو من لا يقوم بحق الله في الحكم لكن رجلاً حيياً حليماً وكان وصولاً .
فقال عثمان: (إن عمرَ أقصي قرابتهُ في ذات الله وأنا قربت قرابتي في ذات الله)
فائدة: الحب في الله يساوي البغض في الله مع ما بينهما من البعد فالذي جعل هذا يساوي هذا أنهما في الله.
فكان عمر يأخذ بالأشد الأشد في هذا وله في ذلك أشياء غريبة لا يفعلها إلا رجلٌ صابر بلغ الغاية من الصبر.
ما يدل علي أن عمر كان يأخذ بالأشد:
1-ما رواه سعيد بن منصور في سننه وابن أبي شيبة في مصنفه والبيهقي في السنن الكبير عن عبد الله بن عمر م ( أنه اشترى مواشي كثيرة وكان يطعمها ويتعهدها حتى سمنت وفي يوم من الأيام نزل عمر السوق فإذا بهذه الأنعام سمينة وملفتة فقال: لمن هذه ؟ قالوا : هذه لعبد الله بن عمر: فقال بخ بخ ، يقولون أرعوا نَعَمَ ابن أمير المؤمنين : اسقوا نَعَمَ ابن أمير المؤمنين وليلا أرسل عمر إلي ابنه عبد الله فقال له : ما هذا ؟
قال : يا أمير المؤمنين أبتغي بمالي كما يبتغي الناس .قال: يا عبد الله بعها وخذ رأس مالك ورد الباقي في بيت المال).
هنا بين عمر العلة : وهي أن الناس يرون أن هذا ابن أمير المؤمنين وجميع الناس تتسابق في خدمة ابن أمير المؤمنين لأنه سيستفيد بوجاهة والده – فأبى عمر أن يستفيد ابنه بوجاهته رغم أن عبد الله بن عمر كان وقافاً عند حدود الله وكان أحد المتورعين المشهورين، ولكن عمر بن الخطاب يعلم جيدا أنه سيقف بين يدي الله غدا فخشي الله.
2-أخذ عبد الله بن عمر من المغنم بما يساوي أربعين ألفا (نصيبه)، فعندما أراد أن يبيعها في السوق وعلم عمر أرسل إليه فقال عمر له : ( يا عبد الله أرأيت لو أنني أُخِذتُ إلى النار أكنت تفتدي بأربعين ألفاً ؟ قال : وبأكثر من ذلك يا أمير المؤمنين
قال له : (فإني مُخَاصَمٌ غداً ) أي أنه والي سيقف بين يدي الله وكل من ظلمهم هذا الوالي يأتي أمام الله ويقول يارب هذا ظلمني وفعل وفعل- وأنت عندما تذهب وتبيع هذه سيكرمونك بدرهم نقص أو زيادة ، وأخذ جزءاً من هذا المال ووضعه في بيت المال.
الله سبحانه وتعالي أسال أن يجعل ما قلته زاداً إلي حسن المصير إليه وعتاداً إلي يمن القدوم عليه إنه بكل جميلٍ كفيل وهو حسبنا ونعم الوكيل وصلي الله وسلم وبارك علي نبينا محمد والحمد لله رب العالمين.
* * *