تصنيفات المقال:
التاريخ والقصص
تاريخ النشر: 11 شعبان 1436هـ الموافق 29 مايو 2015م
عدد الزيارات: 30558
قال الله عز وجل: ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ ) ( القصص:76)
ماذا تعني (مِن)؟ إنسان تائه في الزحام, فرد من ضمن الناس. ليس له نباهة، وليس له أسرة عريقة ولا شيء مطلقا فقوله تعالي من (مِنْ قَوْمِ مُوسَى).
كي يعرفك بأصله (مازلنا نتكلم في الأصل) "هناك إنسان يولد نبيلاً، وإنسان يولد خسيساً" هذا من الجنس الثاني وفجأة أصبح معه مال.
قال الله سبحانه وتعالى :( وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ) (آتَيْنَاهُ )هو لم ينتبه إليها لأنه سيقول كلاما بعد ذلك.
قال تعالي:( وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ)(القصص:76) أي أن الجماعة ذَوو العضلات الجماعة أصحاب (القوة) ليحملوا المفاتيح فقط!
وأنت تعرف الكنز عادةً ما يكون مخبوءاً، ولا يحتاج إليه صاحبه في أكله وشربه أي شيءٌ زائد ,لكن هذا شيء عظيم جدا، أنا أعتقد في تصوري أنا، أن ما فى خزائن قارون، لو أن كل مال العالم وضع على بعضه،ما يعدل شيء مما كان مع قارون ليس لديه أرقام لذلك، لأنه خسيس الأصل ,بغى عليهم.
(وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ )(القصص:76)
ثم وعظوه بأربعة مواعظ مرتبة لأنهم يكلمون قارون :
1- الأولي: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ).
2- الثانية:(وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا)..
3-الثالثة :(وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ).
4-الرابعة :(وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ).
الله سبحانه وتعالى يقول :(وَآتَيْنَاهُ)، وهم ذكروه مرة أخرى :(إذا كان هو أعمى لا يرى أن ذلك من فضل الله،عندما قالوا له (وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ) لم يكن عندك فأعطاك.
فكان ترتيب المسألة بأن قالوا: له هذا المال، الذي وهبك الله عز وجل ولم يكن عندك، استعمله فيما يقربك من الله في الآخرة لأن هذا هو رصيدك الحقيقي.
فقارون أموال ليس لها آخر، لما وعظه قومه أخذته العزة بالإثم ، وافترى على الله- عز وجل- ولم يقل أن هذا من فضل الله ، قال: لا ، ﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾(القصص:77) ، ولم يرجع الأمر إلى الله ، وليس ذلك فقط أنما خرج على قومه في زينته ليكسر قلوب الفقراء وأخرج كل الذي عنده من المراكب وأدوات العظمة ، وخرجت الدنيا كلها لتشاهد قارون .
أهل الدنيا غايتهم ما فيه قارون، أهل الدنيا كلهم قالوا:﴿ يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾(القصص:79) ، لكن أهل العلم قالوا:﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّه خَيْرٌ﴾الجنة ﴿ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ ﴾.
أَنْوَاعِ الْصَّبْرِ : الصبر ثلاثة أقسام : الصبر على والصبر عن، 1-الصبر على المقدور ، 2.-والصبر على الطاعة ،3.- والصبر عن المعصية -﴿ وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ ﴾ عن المعصية أو الصابرون عن الدنيا ، فأهل العلم هم الذين أبصروها على حقيقتها ، ماذا كانت النتيجة ؟﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ ﴾ (القصص:81) ﴿ وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ ﴾ (القصص:82) .
أنظر العوام يقولون:﴿ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ ﴾،أي أن العملية عنده ليست أكيده,:﴿ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا ﴾(القصص:82) .
هذا العامي عندما يتحرك لا يتحرك باعتقاد لذلك نقول لكل الأخوة ولكل المتبنين لدعوة الإصلاح في الدنيا لا تعتمدوا على العوام لأن الذي يتدثر بالعوام عاري، يتركوك في أحلك اللحظات، هم وراءك صحيح ، أنت تتكلم وتصاب بما تصاب به لا إشكا، المهم أنك تعبر عما يتضايقون منه , لما تجد واحد ينتقد ويتكلم ويأتي ويصرخ وغير ذلك ، كله يقول أنه رجل شجاع وهذا الذي يقول كلمة الحق ، هو ماذا فعل معك ، أخرج الضيق الذي في صدرك صحيح لكنه هو الذي سيدفع .
لِذَلِكَ أَهْلٌ الْإِصْلاحَ يَنْبَغِيْ أَلَّا يَنْظُرُوَا إِلَىَ أَيِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَوَامّ :أحمد بن حنبل- رحمه الله – لما حدثت فتنة خلق القرءان من الذي كان بجوار أحمد ، ولا واحد ، العوام الذين كانوا بالألوف المؤلفة بالمحابر والأوراق ويعرفون حشمة أحمد وأنه على الحق وغير ذلك ، ليس لهم شيء .
وأنا قرأت حكاية الجماعة في مرو لما احتاجوا لحم عملوا مظاهرة أو احتجاج أو تجمهر عند قصر المأمون : ماذا يحتاج هؤلاء ؟ قالوا يحتاجون لحم فأرسل إلى بغداد وأحضر اللحم ، وانتهت الأمر ، هؤلاء الذين تجمهروا من أجل اللحم لما حدثت فتنة خلق القرءان وهذا الكلام من الذي ثبت ؟ أهل العلم وخذلهم الجماهير إلا من الدعاة يدعو له صحيح ، لكن لا يستطيع أن يقف بجانبه أبدًا بل لما ناظر الإمام أحمد- رحمه الله- المعتصم وأحمد بن أبي داود وكانت مناظرة علنية ، قال: ألاف المحابر يقفون بالأقلام والأوراق ليروا ماذا سيقول أحمد ليكتبوه .
لكن لا يوجد أحد من العوام يستطيع أن يقف أمام سلطان الدولة نهائيًا .
فأي إنسان متقدم للإصلاح يعتبر نفسه فردًا لا يعتمد إلا على ربه :لا ينفعه أحد فالعوام ليس لهم مذهب إلا مصلحتهم فقط،هؤلاء العوام لما خسف الله بقارون الأرض قالوا الحمد لله أننا لسنا مع قارون ، انظر هذا حال قارون العظمة والجاه والمجد والدنيا كلها تقبل له وتتذلل له .
كيف كان مآله ؟ خسف الله- عز وجل- به الأرض .
إياك أن تترك مالك لأحد وتطلب منه أن يعمل لك صدقة بعد الممات ، فلن يعمل لك شيء سيظهر له مائة شخص يقولون له الحي أبقى من الميت، والله يرحمه،فما تريد عمله، اعمله وأنت حي، كن وصيَّ نفسك، لأن كل شيء تعمله هنا، يدخل في رصيدك أنت فقط، تتصدق, يكن في رصيدك فقط، تتركه يدخل في رصيد الأبناء، وإما أن يتصدقوا وإما لا.
فالإنسان المفلح، يعيش في الدنيا، وعينه تُطِلُ على الآخرة, كل شيء يستخدمه، يتقرب بها إلى الله عز وجل...وهذا ما يسمّيه العلماء فقه استعمال النيّة,كيف تكثّر الأعمال الصالحات، بالنيات الصالحات.
قالوا: له أن ما أعطاكَهُ الله سبحانه وتعالى ، استعمله حتى تكون في الآخرة صاحب وجه أبيض وليس معنى ذلك، إن كل فترة تتصدّق، لا وإنما كل واشرب والبس ,كما تريد مادام أنه من حلال ,.
نصيحة الشيخ حفظه الله لمن تثقل عليهم الصدقة:
لأن هناك بعض الناس يثقل عليه مسألة الصدقة هذه، لا يعرف كيف يتصدّق، ليس موهوباً في هذا الباب, ولكن في باب المباحات يفعل كل ما يريد لا يأكل إلا أحسن أكل، ولا يلبس إلا أحسن لبس، ويركب أحسن سيّارة، ولا يعجبه ديكور الشقة، كل فترة يَهِدّ ويبني في الشقة, من مال حلال أيضاً، ولكن يقول: أنا أستريح هكذا, أنا لمّا أكون في مكان نظيف، أعبد الله بشكل جيد، قلبي ضعيف، لمّا أجد الأشياء غير منظّمة أحس أني غير مرتاح، وأنا عندي مال ومن حلال"، فأقول: له لا جناح عليك، استعمله، هذا ما قالوه..
إذا ثقل عليك أنك تتصدّق بشيءٍ كثير,وهذا هو الأصل أن تبتغي بكل شيءٍ الدار الآخرة. ليس معنى ذلك أني أقول لك طلق الدنيا وتعالي وراءي.
توجيه الشيخ- حفظه الله - للدعاة عندما يأتي إليهم من استيقظ قلبه وأرد أن يتوب.
يأتي له شخص غني جداً، جمع أمواله من ربا وخمور وهكذا، ثم استيقظ قلبه، وأراد أن يتوب، لكن كل حياته من هذا المال، فيقول له هذا مالٌ خبيث، اخرج منه كلّه، هذا الرجل طوال حياته ابن ذوات، لا يستحمل كل هذه القصة، قلبه أضعف من أن يتحمّل يرمي كل ذلك ويلبس الخيش ويجري خلفك، لا يستطيع أن يتحمّل هذه القصة، فيجب أن تراعي مواهبه وملكاته فهو يعيش في الحرام ليل نهار، فإن أخذ بعض هذا الحرام و وطرح الباقي، نظير أن يعمل إحلال وإبدال و وعندما يأتي له شيء يتصدّق به وهكذا، حتى يرزقه الله المال الحلال، فأوصه بهذا لأنك لو قلت له أخرج من هذا كله لن يخرج من هذا كله، قلبه أضعف من أن يفعل ذلك فمثل هذا الرجل لا تخاطبه مخاطبة الرجل قوي القلب، هناك شخص آنست منه قوة قلبه، وأن قلبه ليس في هذا النعيم، فهذا أنت تحس به.
أريد أن أقول أنهم عندما قالوا له:
(وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) أي تمتّع بالمباحات، طالما أنها من حلال.
(وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ)تذكير ثاني أن الله -عز وجل- أحسن إليه ولم يكن شيئاً، و الإحسان قبّة كل شيء، هو قبّة الدين، الإسلام، ثم الإيمان، ثم الإحسان فوق.
ولذلك قال أهل العلم:" الإحسان أخص من جهة أهله و أعم من جهة نفسه".
أعم من جهة نفسه:أي أن الإحسان يشمل الإيمان والإسلام.
أخص من جهة أهله :( المحسنون أنفسهم)،أقل الناس هم أهل الإحسان، ولذلك المؤمنون لا يستوجب أن يكونوا محسنين، فكل محسنٌ، مؤمنٌ ومسلم، لكن هل كل مؤمنٌ محسن؟ لا إذاً الإحسان من جهة أهله المتلبسين به أخصّ وأضيق وهم أقل الناس، أمّا الإحسانُ من جهة نفسهِ كإحسان، أعم (واسع) لأنه يشمل الإيمان والإسلام. فالإحسان قبّة الدين، فكأنه عندما قالوا له (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ) هذا سيصرف لنفسه،.
(وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا) وهذا أيضاً يدخل هذا في رصيده في الدنيا، يبقى أهل الفقر والمسكنة، فكما أعطاك ربك، أعطي هؤلاء كأنهم يذكروه بفقره القديم،.
(وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ) بأنك تحجز حق الفقراء كزكاة المال،.
حث الشيخ - حفظه الله- علي إخراج الزكاة.
فزكاة المال حق الفقير .وعدم إعطاءها للفقير هذا من الفساد في الأرض, وعدم جباية الزكوات من الفساد في الأرض
إذاً منع حق الله في المال، من الفساد في الأرض:
ولذلك قالوا له: (وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ).ولقد قلت لك أن ربنا سبحانه وتعالى قال(وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ) يعني شيء ليس ملكه، قومه ذكّروه بهذه الحقيقة(وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ).
فلمّا وعظوه الوعظ الرفيق الجميل ماذا فعل هذا الكافر؟،(قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) فضل ماذا، وتقولون كيف أتاني لا، إنما هذا بعبقريتي وذكائي، فأرجع المسألة إلى نفسه.
يقول الشاعر:
إذا لم يكن عونٌ من الله للفتى ** فأول ما يجني عليه اجتِهَادُهُ
أي يجعل تدبيره تدميره، يحفر قبره بيده، إذا لم يجعل الله عز وجل له بصيرة، فأول شيء يضره. اجتهاده.إذ جعل توفيق الله عز وجل أجنبياً عن مسيرة حياته، فمشكلةٌ كبيرة، لا يتورط فيها أحدٌ من أهل الإيمان بحمد الله، إنما أهل الغفلة الكاملة، مثل قارون، نعم يتورط فيها، فيقول: (إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) كنت أعلم أني سأصل إلى ذلك وهكذا.
" إن الله ليمهل للظالم حتى إذا أخذه، لم يفلته". ينبهه بمصيبة، لا ينتبه، اثنين مصيبة، لا ينتبه، ثلاث لا ينتبه، يفتح له الباب، فهذا طريقه مظلم في الآخر,طالما لم ينتبه لا بهذا ولا بذاك فحق عليه القول.فهناك أناس جمعوا مليارات من أشياء محرمة، من بيوع أو نصب أو رشاوى وهكذا، فقدوا مليارات أيضا، ومازال السيل ماضٍ.
أنا أرجو أن أكون وفّقت لأني تكلمت على سجيتي، وأرجو أن أكون وفّقت في طرح هذه المسألة، وفي تبسيطها، لينتفع شبابنا بها فيعم الخير الوفير على الناس، والله سبحانه وتعالى أسأل أن يعصمنا وإياكم من الزلل والخطأ، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* * *