تصنيفات المقال:
الزهد والرقائق
تاريخ النشر: 7 شعبان 1436هـ الموافق 25 مايو 2015م
عدد الزيارات: 4879
يقول ابن الجوزي- رحمه الله-:( واعجبا من عَارف بالله- عز وجل- يُخَالفه ولَو في تَلفِ نَفسهِ هَل العَيش إلا مَعهُ ؟ هَل الدُّنيا والآخِرة إلا لَه ؟ أُفٍ لِمُتَرَخِصٍ في فعلِ ما يَكره لِنَيل ما يُحِب ، تَالله لقَد فَاته أضعَافُ ما حصَّلَ ، أَقبِل على ما أقوله يَا ذا الذَّوق ).
بدأ الخاطرة بالتعجب من المخلوق الذي يهلك نفسه في المخالفة والعادة أن يحرص المرء على نفسه ، كل امرئ شحيح بنفسه ، يخشى عليها من التلف ويستعمل الرخص الشرعية في بقاء نفسه ، أي لا يتلفها ، ورُّخِص له أن يقول كلمة الكفر لكي يحفظ نفسه .
يتعجب ابن الجوزي: هذا الذي يقتل نفسه بالمخالفة ، كأن يحب امرأة مثلًا ويسافر إليها ويلف الدنيا ، وبينها وبينه مسالك ومهالك ومع ذلك يستعذب ويستهون كل صعب في سبيل أن يذهب ، مع أن العلاقة في الأساس علاقة محرمة ، في الوقت الذي لو ندب فيه أن يهلك نفسه لله لأتي بالآيات ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، مع أنه يدعى أن يقتل في سبيل الله تعالى للجهاد مثلًا ، لا يشح بنفسه ويأتي بالآيات لكي يتقي هذه المسألة ، مع أنه لو أهلك نفسه في الله لكان رابحًا .
يقول بن الجوزي: ( إن مَوتَ الخَادم في الخِدمَةِ حَسنٌ عِند العُقَلاء) . لأنه يخدم سيده ومالكه ، وربنا سبحانه وتعالي يقول:﴿ وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلا قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا * وَإِذًا لآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا * وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ﴾(النساء: 66-68) اقتل نفسك أو أخرج من دارك ، لا يعملها ، لكن هنا يسيره هواه .
يقول بن الجوزي- رحمه الله-: (وهَل العَيش إلا مَعه – تبارك وتعالي- ؟ هَل الدُّنيا والآخِرة إلا لَه) ؟أي أن المرء لو استعمل الأسباب الشرعية وأطاع مالك الدنيا والآخرة لا يضيعه.
كَيْف يُدَال عَلَى الْرُّسُل ؟ يدال: أي كيف يهزمون ، كيف يخرج الأنبياء من ديارهم ، و يقتل بعضهم ؟،والنبي –صلى الله عليه وسلم-خرج خائفًا ، خرج مهاجرًا من مكة إلى المدينة ، ويختبئ في الغار وغير ذلك ، وأولياءه يذبحون ويقتلون ويشردون ، كيف يُدال على الرسل وعلى أتباع الرسل ؟
يقول بن القيم- رحمه الله- كلامًا معناه أنهم لو انتصروا بصفة دائمة لوقع في نفوسهم العُجب ، ولو هُزموا بصفة دائمة لساء ظنهم بربهم ، فإذًا يُدال عليهم وينتصرون فتكون المسألة سجال مرة هكذا ومرة هكذا ، لأنه لو هُزم بصفة مستمرة ، فأنا أٌول إذا كان الحق معي والله- عز وجل –أنزل الكتاب وأرسل الرسول ، والحق معي ، وهذا الحق هو محبوب الله- عز وجل- ، ومع ذلك لم ينصره في موطن قط ، فحينئذٍ يُساء الظن ، وأنت تعرف الإنسان كفور بطبعه وصاحب ظن أيضًا ، وقد يكون صاحب ظن بربه- سبحانه وتعالي- .فيُدال على الرسل مرة ويُدال علي غيرهم مرة ، حتى تنفذ سنة الله- عز وجل- التي لا تتخلف ولا تحابي أحدًا من الخلق ، الذين يعيشون مع الله- عز وجل- يستحضرون ذكره ويتفكرون في آلائه هم أسعد الخلق .
-وعبر سعيد بن المسيب:- رحمه الله- تعبيرًا جميلًا عن هذا فقال: ( إنا في سعادة لو علم بها ملوك الأرض لجالدونا عليها بالسيوف) والتي هي راحة البال.
وهنا لفتة جميلة للبخاري - رحمه الله- قال تعالى:/﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾(العنكبوت:45) ، هذه الآية تلخص مقصد البخاري﴿ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ ، هذه الصلاة تمثل الأحكام الشرعية ، وإتباع الأحكام الشرعية والحلال والحرام ينهى عن الفحشاء والمنكر ، لكن الذي ينهى عن الفحشاء والمنكر أكثر من الأحكام الشرعية الذكر لذلك الآية:﴿ِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ أكبر من الصلاة في النهي عن الفحشاء والمنكر
الْذَّكَرَ هُوَ عِبَادَةُ الْقَلْبِ:لأن الذكر هو عبادة القلب ، وهناك حديث موضوع أنا لا أحتك به على أساس أنه حديث ، لكن سآخذ منه جملة كأنها كلام لبعض الناس الحديث الذي هو:" إني والإنس والجن في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري ، أرزق ويشكر سواي ، خيري للعباد نازل وشرهم إليَّ صاعد ، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم ، يتبغضون إليَّ بمعاصيهم وهم أحوج ما يكونون إليَّ ،.
الذكر عبادة القلب ، وأهل الذكر شامة بين الناس ، أهل الذكر الذين هم أهل الإحسان .
الانْشِغَالِ بِالْذِّكْرِ يَمْلَأُ الْقَلْبِ عَنْ كُلِّ مُرَادُ مَنْ الْخَلْقِ:فلو أن رجلا استطاع أن يستحضر مقام الله - عز وجل - في قلبه ويأخذ الإيمان من الآيات والأحاديث التي وصلت رب العزة- تبارك وتعالي- ، ولم يحرف أسمائه ولا صفاته وأخذها كما أخذها النبي –صلى الله عليه وسلم- والصحابة والمسلمون التابعون بإحسان من بعده ، تصور أن هذا الرجل إذا رأي ربه أو علم أن ربه يراه ، فانشغل بذكر الله- تبارك وتعالي – فهذا يملأ قلبه عن كل مراد له من الخلق .
فَالإِنْسَان الَّذِي يَعِيْش لِرَبِّه - تَبَارَك وَتَعَالَي - ذَاكِرا لَه حَصَّل قُبَّة الْإِسْلَام:، لذلك كما ذكرت قبل ذلك جعل النبي–صلى الله عليه وسلم-مكان دعاء الكرب الثناء علي الرب- تبارك وتعالي- ، أنت مكروب وتقع في مشكلة فانشغلت بالثناء علي الله عن طلب حاجتك تقول: يارب أنا في مشكلة خلصني من المشكلة مثلًا ، لا انشغلت عن مصلحتك وعن حظ نفسك بالثناء علي ربك .
فَالَدُّنْيَا إِنَّمَا يَخِف مَكُرُوبِهَا وَكَرَبُّهَا بِذِكْر الْلَّه- سُبْحَانَه وَتَعَالَي - :وهو- سبحانه وتعالي- مالك الدنيا والآخرة، ربما أعطاك فضللت فحجب عنك لأن النبي–صلى الله عليه وسلم-قال لنا وقوله الصدق: " إن الله- سبحانه تعالي- ما من داعي يدعو ربه- عز وجل- إلا أعطاه إلا أن يدعو بإثم ، أو قطيعة رحم " ، وقال الله – عز وجل -:﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾(غافر:60) .
أَسْتَجِبْ لَكُمْ: أي في المعروف ، لا يكون بقطيعة رحم ولا إثم ، وهذا وعد من الله- عز وجل- أن يستجيب.
الْدُّنْيَا وَالآَخِرَة لِلَّه- سُبْحَانَه وَتَعَالَي - إِذَا قُمْت بِالْعُبُوْدِيَّة كَمَا يَنْبَغِي أَعْطَاك مَا يُصْلِحُك لَا مَا تُرِيْد ،: وهذا ما ينبغي أن يتفطن المرء إليه ، أعطاك ما يصلحك لا ما تريده لأن المرء قد يريد تلف نفسه
فَالَدُّنْيَا وَالْآَخِرَة لِلَّه- سُبْحَانَه وَتَعَالَي - فالذي يبذل حشاشة نفسه لربه- سبحانه وتعالي- ويقف علي الطريق دالًا عباد الله- عز وجل- إلي الله- سبحانه وتعالي- من الطريق السلفي الصحيح الذي كان مذهب القرون الثلاثة الأول فإن الله- سبحانه وتعالي- لا يضيعه .
فَالَّذِي يَعْتَقِد اعْتِقَاداً عَمَلِياً وَلَيْس نَظَرِياً أَن الْدُّنْيَا وَالْآَخِرَة لِلَّه لَا يَشْقَي أَبَدا.
يقول بن الجوزي- رحمه الله-: ( أُفٍ لِمُتَرَخِصٍ في فعلِ ما يَكره لِنَيل ما يُحِب ، تَالله لقَد فَاته أضعَافُ ما حصَلَ ) هو لا يقصد الرخصة الشرعية هنا ، أُفٍ لِمُتَرَخِصٍ ، لا . الرخصة الشرعية التي هي بخلاف العزيمة ، أي هو ما أباحه الله- سبحانه وتعالي- مما كان أصله محرمًا وبقي علي تحريمه إلا لعلة ، أي أنا ترخصت ، لماذا ترخصت وتركت والعزيمة ؟ لماذا أكلت الميتة والدم ؟ لأني سأموت ، الشافعية لهم تقسيمات للرخصة يقولوا: أكل الميتة للضرورة هذه رخصة واجبة ، بخلاف العزيمة لا ، بعض العلماء يقولوا: لا ، هي العزيمة نفسها ، أي أكل الميتة في حال الضرورة عزيمة ، إنما صارت رخصة في مقابل الحكم الأصلي .
مَا حَكَم الْأَخْذ بِالرُّخْصَة الْشَّرْعِيَّة؟فالرخصة الشرعية مندوب إليها والذي يفعلها يفعل شيئًا أحبه الله- سبحانه وتعالي- الدليل: كما في الحديث: " إن الله يحب أن تؤتي رخصه كما يحب أن تؤتي عزائمه "
-فإِذَا أَرَاد الْعَبْد أَن يَنْجُو مِن هَذِه الْدُّنْيَا عَلَيْه أَن يَعْتَمِد عَلَي الْلَّه- عَز وَجَل- بِقَلْبِه ، هو مالك الدنيا والآخرة . فإذا منعك حُسن الظن يقتضي أن أقول: إنما منعني ليرحمني.
الْلَّه عَز وَجَل يَحْمِل هَم الْدَّاعِي إِلَيْه:الإنسان إذا رزقه الله- سبحانه وتعالي– البصر في أي منحل من مناحل الحياة لاسيما في الدعوة إلي الله- سبحانه وتعالي - ، لا تخرج ستجد الدنيا مفتوحة لك ، كيف هي مفتوحة ، أنا كيف أعيش أنت تستغرب ، أنت كيف تعيش أنت تستغرب ، لماذا ؟ الله - عز وجل - يحمل الداعي إليه ، لا يمكن الفرد مهما يفرغ نفسه ، لا أقول فرغ نفسك وتسول من الناس لا ، تعمل أيضًا عملًا وأهل العلم لهم مجال يتكسبون منه تحقيق الكتب ، وتاريخ الكتب ، والمخطوطات وغير ذلك منجم ذهب لكن يريد واحد جواهرجي هو الذي يعمل في هذا
فَالَدُّنْيَا وَالْآَخِرَة لِلَّه- سُبْحَانَه وَتَعَالَي - فالذي يبذل حشاشة نفسه لربه- سبحانه وتعالي- ويقف علي الطريق دالًا عباد الله- عز وجل- إلي الله- سبحانه وتعالي- من الطريق السلفي الصحيح الذي كان مذهب القرون الثلاثة الأول فإن الله- سبحانه وتعالي- لا يضيعه .
الشافعية لهم تقسيمات للرخصة يقولوا: أكل الميتة للضرورة هذه رخصة واجبة ، بخلاف العزيمة لا بعض العلماء يقول: لا ، هي العزيمة نفسها ، أي أكل الميتة في حال الضرورة عزيمة ، إنما صارت رخصة في مقابل الحكم الأصلي .
حُكْم تَتَّبِع الرُّخَص: فالذي يترخص بمعني يتتبع الرخص،هذا مذموم عند كل العلماء وحرموه.
وَتَتَبُّع الرُّخَص سَوَاء كَانَت رَخْص الْنَفَس أَو رُخِّص الْفُقَهَاء ، مُحَرَّم بِإِجْمَاع الْفُقَهَاء: أنظر إلي سليمان التيمي، بن عبد البر نقل الإجماع قال: ( لا أعلم فيه خلافًا ) وكل العلماء الذين يتكلمون بالإجماعات في هذه الجزئية يقولون: لا نعلم خلافًا في هذه المسألة ، كلام سليمان التيمي الذي أخذ منه أحمد بن حنبل وغيره ، "إذا تتبعت رخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله "،.
فالإنسان الذي يترخص لنيل ما يحب بما يكره فاته أضعاف ما حصَّل وتتبع الرخص هذه سواء كانت رخص النفس ، أو رخص الفقهاء.