تصنيفات المقال:
الزهد والرقائق
تاريخ النشر: 7 شعبان 1436هـ الموافق 25 مايو 2015م
عدد الزيارات: 5753
يقول بن القيم- رحمه الله-: (الحب أول شيء في سير المحب إلى آخر مقصوده أيًا كان المقصود دنيا أم دين ،).
و أَعْلَىَ دَرَجَاتِ الْحُبّ:التعبد.
فالْعِبَادَة لها محوران:المحور الأول: كمال الحب .المحور الثاني: كمال الذل ،.
أيهما يسبق الآخر ؟، كمال الحب هو الذي يسبق ، لأنك لن تذل إلا بالحب ، إياك أن تقول كمال الذل ثم كمال الحب ، لا الذي يجعلك تبذل روحك الحب ، لأن الذل مر ، والذي خفف الذل أنك محب فقط، الذي يجعل الحب يتحرك عدم الإرادة سواء بحب أو بغير حب .
لذلك نقول: لا يذل المرء إلا بعدم الإرادة سواء كانت بحب أو بغير حب عندما تضع جبهتك هذه أعلى ما فيك ، وتضع هذا الأنف الذي هو، أشرف ما في الوجه وتكون مسرورا وسعيدا ، هذا هو كمال الذل ، أن تضع أشرف ما فيك موضع نعلك وموضع نعال الناس لذلك نحن عندنا تمام الحب مع كمال الذل .
وبين الحب والذل علاقة قوية،:أنك كلما نزلت إلى تحت بقوة ،صعدت إلى أعلى بقوة ،فيكون الحل لك النزول إلى أسفل ،لأن هذه هي عنوان العبودية
-وَهَذَا الذُّل يَكْبَح جِمَاح الْكِبَر الَّذِي هُو مَخْلُوْق فِي الْنَّفْس: لأن بوابة الكبر الظلم والجهل وهذه أصل الخلقة كما قال تعالي:﴿ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا ﴾ (الأحزاب:72) ،.
-وكُلَّمَا اسْتَضَاء الْمَرْء بِنُوْر الْوَحْي يَتَخَلَّص مِن الْظُّلْم و الْجَهْل: وعلى قدر ما عنده من أنوار الوحي على قدر ما يقل الظلم والجهل .فهذه النفس فيها داعية الإلوهية .
لِمَاذَا لَا يَقُوْل أَي وَاحِد مِنَّا أَنَا رَبُّكُم الْأَعْلَى مِثْلَمَا قَال فِرْعَوْن ؟شيئان: فإما أن يكون المانع عجزًا ، وإما أن يكون إيمانًا ، واعتبر بحال فرعون هذا الفاجر ، فكل نفس فيها داعية الإلوهية أهل الإيمان يمنعهم الإيمان أن يقولوا هذا ، وأهل الفجر يرمون بالحجارة ،.
مَالَّذِي يَكْبَح جِمَاح الْنَّفْس الْبَشَرِيَّة مِن دَاعِي الَإِلُوهِيّة؟فأريد أن أقول النفس البشرية الذي فيها داعية الإلوهية ، ما الذي يجعله ينزل إلى الأرض ؟ الذل ، لكن نحن نريد ذلًا بحب ،لأننا نتذلل لخالقنا لربنا وإلهنا الذي خلقنا وعافانا منها فأرسل إلينا رسولًا وأنزل إلينا كتابًا ، واصطفاك مسلمًا ، كان من الممكن أن تكون ابن لأبوين كافرين وتكون متعصب لهذا الدين وترى أنك على الحق وكل الدنيا على الباطل ، عافاك من هذا ، وخلقك مسلمًا ولم تعرف شرف هذا الاختيار بأنك فرطت في أوامر خالقك ، وفرطت في إتباع نبيك-صلى الله عليه وسلم- الذي جاءك ليدلك على الله ، ومن ثم إذا آمنت به دلك على الخلود في الجنان .
-فالعبودية ، تشمل المحبة، والله- عز وجل- وصف أنبيائه بهذا الوصف الجميل:أنظر نوح:﴿ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾(الإسراء:3) ﴿ وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ (ص:30) ﴿ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾(ص:44)﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأيْدِي وَالأبْصَارِ ﴾(ص:45) .
ويوسف:﴿ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ﴾(يوسف:24) ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- وصفه ربه في أعظم المقامات بالعبودية .أنظر نزول القرءان عليه:﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا ﴾(الكهف:1) ، في التحدي:﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ﴾(البقرة:23) ، في الإسراء:﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا ﴾(الإسراء:1) ، في مقام الدعوة:﴿ وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا ﴾(الجن:19) ، أشرف المقامات يصفه بالعبودية.
-والكلام في الحديث المشهور عن أنس ويرويه عن بن معاذ أيضًا لما ركب معاذ خلف النبي -صلى الله عليه وسلم- " فقال: يا معاذ، قال: يا رسول الله لبيك وسعديك ، ثم صار ساعة ، ثم قال: يا معاذ، قال: يا رسول الله لبيك وسعديك ، ثم صار ساعة ثم قال: يا معاذ " ، كل هذا لكي يجمع معاذ قلبه كله ، لأنه لما يقول له ثلاث مرات ويتركه ، مرة ويتركه ، ثم مرة ويتركه ، فصار معاذ متلهفًا ، ما الذي سيقوله ، " قال أتدري ما حق الله علي العبيد ؟ قال: الله ورسوله أعلم ، قال: حقه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا ، قال: أتدري ما حق العباد على الله ؟ قال: الله ورسوله أعلم ، قال: ألا يعذبهم " . فذكر مقام العبودية التي يشتمل على أعلى درجات الحب ، .
وَالْلَّه سُبْحَانَه وَتَعَالَى أَسْأَل أَن يَجْرِي الْحَق عَلَى لِسَانِي وَأَسْأَل الْلَّه تَبَارَك وَتَعَالَى أَن يَنْفَعُكُم بِمَا أَقُوْل إِنَّه وَلِي ذَلِك وَالْقَادِر عَلَيْه، وَآَخِر دَعْوَانَا أَن الْحَمْد لِلَّه رَب الْعَالَمِيْن وَالْسَّلام عَلَيْكُم وَرَحْمَة الْلَّه وَبَرَكَاتُه.
اللهم اشف شيخنا الحويني وجميع مرضى المسلمين شفاءا لا يغادر سقما.