تصنيفات المقال:
الدعوة إلى الله
تاريخ النشر: 20 رجب 1436هـ الموافق 8 مايو 2015م
عدد الزيارات: 4132
أصول مهمة يجب علي الداعية مراعاتها :
قبل أن أدخل في هذا الموضوع (فقه الدعوة) فلا بد أن أذكر بعض الأصول المهمة لأن المرء إن لم يؤصل لا يستقيم معه الفرع وهذه مشكلة كبيرة تواجه من يتحدث في أي علم من العلوم, فيه أصول مرعية حتى الذين يتكلمون في الدين الآن ويخوضون في قضاياه الكبيرة التي تحقق فيها الإجماع نحن عندنا هنا مثلا حوالي سبعمائة وخمسون مسألة إجماع والإجماع هذا الدليل الثالث من الأدلة المتفق عليها .
أدلة أصول الفقه أربعة متفق عليها وثمانية أخرى، فيها أخذ ورد:
القرآن ثم السنة ثم الإجماع, القياس باستثناء الظاهرية وكلامهم في نفي القياس معروف
حكم من أنكر الإجماع مع تحققه:
لكن إذا تحقق الإجماع بشروطه فمنكره كافر هذا عند كل العلماء وأنا أريد أن أقول هناك سبعمائة وخمسون مسألة إجماع نقل العلماء الكبار الإجماع فيها لا نسمح بها بكثرة الجدل فيها عندما أقول هذه المسألة فيها إجماع تتوقف مسالة فيها خلاف فيها أخذ ورد نأخذ ونعطي في الكلام فمن هذا المنطلق نقول.أي مسألة فرعية ما لم نردها إلى أصلها لا يستقيم الفرع معنا.
ولعلمائنا كلمة جميلة يقولون في باب المناظرات أو المباحثات بينهم يقولون (لا يستقيم الظل والعود أعوج)أي لا يستقيم أبدا الفرع والأصل أعوج لابد الأصل يستقيم كالفرع يستقيم.
الدعوة إلى الله عز وجل أشرف المناصب على الإطلاق لا يجاريه منصب أبداً:لأنه منصب الرسل ومنصب أتباع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم هم الدالون على الله عز وجل فلابد أن تُبَلغ الدعوة بطريقة صحيحة.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: كما في حديث أبي مسعود ألبدري أن رجلاً كان يتخلف عن صلاة الجماعة لأن الإمام يطيل في الصلاة فلما جاء الرجل ( وقال يا رسول الله إني لا أدرك الصلاة مما يطيل فلان) تعجب الناس كيف لا يدرك الصلاة وهو يطيل من المفروض كلما أطال الإمام الصلاة يستطيع إدراكها إذا نزل في أي وقت يجده مازال في الركعة الأولى لا الصحابي ت قصده أنه من كثرة إطالته للصلاة فيتأخر في النزول فيعطي لنفسه مساحة فيذهب وتكون الصلاة قد انتهت قال أبو مسعود فما رأيت النبي-صلى الله عليه وسلم-:غضب في موعظة كغضبه في هذا قال:-(أيها الناس إن منكم منفرين).
حتى لا ينفر الناس من الدعوة مالذي ينبغي عمله؟
قال علي بن أبي طالب كما رواه البخاري في كتاب العلم :( حدثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن ُيكذّب الله ورسوله).
وفي أثر بن مسعود الذي رواه مسلم في مقدمة صحيحه وهو منقطع الإسناد إسناده غير متصل لأن مقدمة صحيح مسلم ليست على شرط مسلم , كما نقول معلقات البخاري ليست على شرط البخاري لأن موضوع البخاري الإسناد المتصل إنما المعلق الإسناد من أوله رايح إما راوي أو اثنين أو الإسناد كله فمقدمة صحيح مسلم ليست على شرط مسلم لذلك لو عزوت حديثا لمقدمة مسلم وقلت (رواه مسلم) العلماء يُخطِئونك قل (رواه مسلم في مقدمة صحيحة )لأن المقدمة ليست على شرطه كما لو أن البخاري علق حديثاً من الأحاديث إياك في الأحاديث المعلقة أن تقول رواه البخاري وتسكت لأن ذلك يعتبر خطيئة في التخريج عند أهل العلم ويجب أن تقول رواه البخاري معلقاً لا أن تقول رواه البخاري وتسكت لأنه عندما تقول رواه البخاري وتسكت يعني متصلاً.
في أثر ابن مسعود قال:(ما أنت بمحدث قوما حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة):فلا بد أن تعرف من تخاطب, فالخطاب للغني غير الخطاب للفقير, الخطاب للرجل صاحب الحشمة غير الخطاب للذي ليس له ذلك, الخطاب لصاحب المنصب الكبير ليس كالخطاب لصاحب المنصب الأقل منه,هذا له لون في الخطاب وذاك له لون في الخطاب.
العالم لا يحلق في أجواء العلم وينجح إلا إذا طار بجناحين ،وعلى قدر قوة الجناح يكون الطيران يمكن الجناح يكون مكسور أو مهيض مثلاً يبقى فيه علة فيصبح الطيران ضعيف.
الجناح الأول للعالم: العلم نفسه.
الجناح الثاني للعالم :هو سياسة العلم.
ليس كل إنسان حصل علماً يستطيع أن يبلغ هذا العلم هناك من الناس من يستطيع التأليف ولكن لا يصلح أن يواجه الناس يدعوهم ,قلمه أبلغ من لسانه هذا من المصلحة أن يستمر في الكتابة , لأنه لو خرج من مكتبه ودعا الناس إلى شيء ربما نفر الناس من هذا الشيء.
سياسة العلم أعوص من إتقان العلم:
دعوة الناس تحتاج إلى كياسة,وتحتاج إلى معرفة بأخلاق الناس لذلك العلماء قالوا :-(سياسة العلم أعوص من إتقان العلم.) فلو كنت جاهلاً ببابٍ من أبواب العلم فالحل عندي أفتح الكتاب وأقرأ ما يتعلق بهذا الباب وهكذا كنت جاهل وصرت عالماً.
الإسلام يهذب والعلم يشذب من معدنه نفيس:
لكن الحكمة هذه يولد المرءُ بها, يولد المرءُ حكيماً الغشيم يظل غشيماً طوال حياته إلا أن يهذبه الإسلام حتى لا يقول أحد ليس مني فائدة, أنا مولود غشيم والكلام هذا لأ.أنا أقول حتى يهذبه الإسلام وحتى يشذبه العلم هذا لو أصله نفيس, معدنه نفيس إنما لو معدنه ليس نفيس ماذا سنفعل؟
القرآن المجيد أنتم تعلمون أن الله عز وجل أنزله ضياءً وهديً ونوراً, تصور هذا الضياء والهدى يكون ظلاماً لآخرين.قال تعالي﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً ﴾ معدنه ليس نفيساً, يأخذ هذا القرآن الذي ،هو ضياء المفروض يُستضاءُ به وكاشفٌ للطريق ولكن هذا الإنسان كلما وجدا بئراً وقع فيها .
بالرغم أن معه ما يضيء له الطريق ويكشفه له, فالعمى ليس عمي البصر , وإنما عمى البصيرة فالقرآن أشرف الكلام يكون عمى على أُناس ويزدادون به خسارة,الفرق بين هذا وذاك هي نفاسة المعدن.
وهناك أبيات المرأة العربية صورت هذا الأمر تصويراً بديعا وقصتها ذات مرة امرأة عربية وجدت ذئبًا صغيرًا مولوداً فخافت عليه وقالت هل أترك هذا الذئب يموت أنا أخذه وأربيه عندي وكان عندها شاة هذه الشاة فيها لبن وكانت ترضع الذئب من الماعز فتكون الماعز أمه لكونها أرضعته فصار الذئب يكبر وكانت الأعرابية تترك الذئب مع الماعز ، فذهبت لحاجة ثم عادت فوجدت الذئب قد فتح بطن الماعز ويأكلها: فقالت ثلاثة أبيات من الشعر تخاطب الذئب فقالت له:
بقرت شويهتي وفجعت قلبي وأنت لشاتنا ولدٌ ربيب
غُزِيتَ بدرها ورُبيتَ فينا فمن أنباك أن أباك ذيبُ
إذا كان الطباعُ طباعَ سوءٍ فلا أدبٌ يفيدُ ولا أديـبُ
فمن الذي أعلمك أن أباك كان ذيب ونحن قد أخذناك صغيرًا المفروض أنك رضعت ولم تري في حياتك إلا هذه الماعز فكان عليك أن تحن لها ولكن تفتح بطنها وتأكلها أيضًا فتقول له( غُزِيتَ بدرها) الدر - اللبن -أي تغذيت على لبنها ،( ورُبيتَ فينا ) أي لم ترى غيرنا وغيرها( فمن أنباك أن أباك ذيبُ)
إذا كان الطباعُ طباعَ سوءٍ فلا أدبٌ يفيدُ ولا أديـبُ
أي أنه موجود في فترته خصال الذئب ترضعه لبن ماعز ترضعه أي شيء آخر هو ذيب ليس له حل فيه جينات الذيب وسيظل هكذا بنفس الصفات هناك بعض الناس فيهم جينات لؤم ويظل لئيم طوال عمره مهما تحاول تُقيمه بالعلم تُقيمه بالإيمان بالدين لا ينفع معه
العالم الذي يبلغ دين الله سبحانه وتعالى لابد أن يطير بجناحين:
الجناح الأول: العلم لأنه لا يحل لجاهل أن يفتي.
قال الله عز وجل :﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِف أَلْسِنَتكُمْ الْكَذِب هَذَا حَلَال وَهَذَا حَرَام لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّه الْكَذِب ﴾ (النحل:18)
وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿الرحمن فســأل به خبيــرا﴾( الفرقان:59):أي لا تسأل عن الرحمان إلا خبيراً بالرحمان سبحانه وتعالى هذا العلم الجناح الأول,.
الجناح الثاني : متى نستخدمه أحيانًا لا نستطيع استخدام الدليل الصحيح لأنه ليس في مكانه وقد فعلها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: عندما قال العائشة ك :( لولا حِدثان قومك بالكفر لهدمت البيت وبنيته على قواعد إبراهيم ولكن قومك قصرت بهم النفقة), فالنبي عليه الصلاة والسلام لما يعلمه من تعظيم قريش للبيت وأنه لو هدم البيت لن يقول له أحد كلمة واحدة, كانت له دولة وكلامه ماض لاشك في ذلك ولا يفعل شيئا إلا عن أمر الله هدم الكعبة يكون بأمر الله عز وجل لكن الكعبة لها حشمة عند الناس ومبنية منذ زمن تنقد الكعبة و الذي حدث أيام عبد الله بن الزبير ت لما كان هو الخليفة قبل أن تحدث القصة بينه وبين عبد الملك بن مروان وجد الكعبة واهية البناء أراد تجديدها فدعا الناس وقال أني أريد أن أهدم هذا البيت وأبنيه على قواعد إبراهيم إني سمعت عائشة ك تقول كذا وكذا الحديث الذي قلته سابقا
فبدأ كل واحد منهم يقول رأيه:
فقال ابن عباس م: كما في صحيح مسلم(إني أرى أن تترك بيتاً أسلم الناس عليه أحجاراً ).
وقال ابن الزبير :( والله لو كان هذا بيت أحدكم ما تركه حتى يجدده)إني مستخير ربي ثلاثاً, واستخار ابن الزبير ت ربه ثلاثاً ثم انشرح صدره أن يهدم الكعبة, وخاف الناس أن يشتركوا في هدم الكعبة فلم يشترك مع ابن الزبير ت إلا عدد قليل والناس تشاهد من بعيد خائفين أن تحل صاعقة بمن يهدم الكعبة, فلما بدءوا بالهدم وإزالة الأحجار و لم تتنزل صاعقة, تتابع الناس حتى هدموا البيت كله ووصلوا إلى القواعد التي توجد في الأسفل, أي- قواعد إبراهيم عليه الصلاة والسلام,- .
أريد أن أقول أن الكعبة كان لها حشمة فالنبي -صلى الله عليه وسلم-: راعى هذا بالرغم أن المصلحة كانت تقتضي أن يبنى البيت على قواعد إبراهيم ومع ذلك ما فعلة وكان ممكناً, لن أقول مستضعف ومع ذلك لم يفعل, فيمكن الدليل الصحيح لا أستطيع وضعه في مكانه, لأن الزمان غير مناسب, وفي هذه الحالة أسكت وهذا ما يسمى سياسة العلم .
أرجو أن أكون وفقت لأنني تكلمت على سجيتي وأرجو أن أكون وفقت في طرح هذه المسألة وتبسيطها لينتفع بها شبابنا ليعم الخير الوفير على الناس والله سبحانه وتعالى أساله أن يعصمنا وإياكم من الزلل والخطل والخطأ إنه ولي ذلك والقادر عليه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* * *