تصنيفات المقال:
الدعوة إلى الله
تاريخ النشر: 8 رجب 1436هـ الموافق 26 أبريل 2015م
عدد الزيارات: 2728
رجلٌ أعرابي كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في السفر، فرأى النبي عليه الصلاة والسلام معه قعوداً -والقعود هو الجمل الصغير- فاستملحه النبي صلى الله عليه وسلم وقال للأعرابي: تبيعني هذا الجمل؟ قال: بكم تشتريه؟ قال بكذا، قال: اشتريته منك وسأنقدك ثمنه إذا رجعنا إلى المدينة، فجاء رجلٌ آخر من المسلمين لا يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى الجمل، فقال للأعرابي تبيعني الجمل؟ قال: بكم تشتريه؟ قال بكذا.
وزاد الأعرابي في ثمن الجمل على الثمن الذي اشتراه به النبي عليه الصلاة والسلام، فقال الأعرابي صاحب الجمل: بعتك! ثم ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إما إن تعطيني ثمن الجمل الآن وإما سأبيعه، قال: أولم تبعني الجمل يا أعرابي؟ قال: ما بعتك شيئاً! قال: بلى بعتني! قال: ما بعتك شيئاً.
هلم شهيداً يشهد أنني بعتك: يبيع للنبي الجمل ثم يقول له: ما بعتك وأت بشاهد، هذا كُفر، لأنه تكذيب للنبي عليه الصلاة والسلام، والمسلمون يلوذون بالنبي عليه الصلاة والسلام ويقولون للأعرابي: ويحك! إنما يقول رسول الله صلى الله عليه حقاً، وهو لا يزال يقول: هلم شهيداً! حتى جاء خزيمة من مكان بعيد، فوجد اجتماع الناس وضوضاء، فسأل عن الأمر فأُخبر بالقصة، فدخل مباشرة على الأعرابي وقال: أنا أشهد أنك بعته الجمل! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: بم تشهد يا خزيمة ؟ قال: أشهد بتصديقك، نحن نصدقك في خبر السماء أفلا نصدقك على بعير.
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين: في حين أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يقبل من الصحابة القريبين منه أدنى من ذلك يرى مثلاً عبد الله بن عمرو بن العاص يلبس ثياباً حمراء وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن لبس الثوب الأحمر القاني -أي: الحمراء، الأحمر البحت الذي لم يخالطه لون آخر- هذا ممنوع أن يلبسه الرجال، ويدخل في أزياء النساء، فلما جاء عبد الله بن عمرو بن العاص وهو يلبس ثياباً حمراء سلَّم على النبي عليه الصلاة والسلام فأعرض عنه ولم يرد عليه، فـعبد الله بن عمرو فطن إلى هذا، فذهب إلى داره فوجد أهله وقد سجروا التنور؛ فخلع القميص ورمى به داخل التنور؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كرهه، وبدَّل ثيابه ورجع، فسلم فرد عليه وقال له: ما فعلت بثيابك؟ قال: سجرت بها التنور! قال: فهلا أعطيتها بعض أهلك، إنه لا بأس بها للنساء.
طبعاً هذا الحديث لا يعارض الحديث الصحيح الآخر أظنه حديث البراء أو حديث سمرة بن جندب أو جابر بن سمرة : أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم أجمل الناس وعليه حلةٌ حمراء؛ فيحمل هذا الحديث على أن الأحمر لم يكن بحتاً إنما خالطه لونٌ آخر لكن اللون الأحمر كان هو الغالب، وإذا كان لون لباس هو الغالب نسب اللون إليه، فمثلاً: إذا كان هذا ثوباً أبيض وفيه بعض ألوان أخرى مثل الأخضر أو الأزرق أو الأصفر أو نحو ذلك لكن الغالب عليه البياض، فأنت تقول: ثوبٌ أبيض، لماذا؟ لأن هذا هو الغالب عليه، أو يحمل أن هذا كان قبل نهي النبي عليه الصلاة والسلام عن لبس الأحمر.
المقصود أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يكن يسوي بين الناس في المعاملة، فالداعية ينبغي أن يكون عنده بدائل، فيكون عنده للعاصي طريقة، وللمبتدع طريقة، وللذي يرميه ويؤذيه بالكلام ويستهزئ به طريقة أيضاً؛ وهو أن يستخدم معه لغة التغافل، وألا يظهر له أنه فهم؛ لأنك لو أظهرت له أنك فهمته فقد ضيعت على نفسك الطريق الذي ستسلكه إلى قلب هذا الرجل.