تصنيفات المقال:
الدعوة إلى الله
تاريخ النشر: 8 رجب 1436هـ الموافق 26 أبريل 2015م
عدد الزيارات: 3142
إن الدعوة إلى الله عز وجل وسام شرف يناله من اصطفاه الله من خيرة خلقه وأوليائه:والداعية أثناء سيره في حقل الدعوة إلى الله عليه أن يتسلح بالإخلاص والعلم والصبر والثقة بوعد الله عز وجل؛ حتى تكلل جهوده بالنجاح.وطريقة التعامل مع المدعوين تتوقف على شخصية هذا المدعو، والبيئة التي خرّجته، فعلى الداعية أن يضع الحكمة في موضعها ويعامل المدعوين بأخلاق الداعية لا بأخلاقهم هم.
فالدعوة إلى الله تبارك وتعالى لها ثلاثة أركان: الدعوة، والداعيةُ، والمدعو،
وكلامنا عن المدعو:
فالمتكلم عن الله تبارك وتعالى في الدنيا هم الرسل وأتباع الرسل، فالعلماء هم الذين يوقعون عن الله في الأرض،، بمجرد إمضائك وتوقيعك، يأتيك يقول لك: أنا طلقت امرأتي وقلت لها كذا وكذا.. مرتين أو ثلاثاً تقول له: هذه ليست امرأتك! فتفصلها عنه، ويشرد الأولاد بقولك، ولا يستطيع أن يخالفك؛ لأنك توقع عن الله عز وجل في الأرض.
ومن أعظم الجرائم أن تزيف التوقيع في الدنيا، فلو اكتشف رئيسٌ أو مدير أن رجلاً زيّف توقيعه أدخله السجن مباشرة، وذلك لو اكتشفوه، فكيف لو جاء رجلٌ ليس بأهلاً لأن يوقع عن الله في الأرض ووقع؟! إذاً هذا توقيع مزيف! فإذا كان في الدنيا يتعرض للعقوبة فكيف لا يتعرض للعقوبة في الآخرة؟ بل سيتعرض لأشد العقوبات؛ لأن توقيعه توقيع مزيف.
لهذا كان لابد للداعية أن يتحلى بالعلم: قال الله عز وجل: ( الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا) [الفرقان:59]،إذا أردت أن تسأل عن الرحمن فاسأل خبيراً به تبارك وتعالى، وبصفاته، وبما أنزله من العلم على رسله.
أولا: مما ينبغي أن يتحلى به الداعية إلى الله عز وجل هو العلم،:ولا يحل له أن يفتي إلا عن علم، لذلك كانت حاجة طالب العلم للعالم فوق كل حاجة، وموت العالم من أعظم المصائب التي تصيب طالب العلم، وحاجة طالب العلم إلى الكتاب مثل حاجته إلى الطعام والشراب.
فجلوس طالب العلم بين يدي شيخه والتعلم من هديه وسمته ولحظه قبل لفظه أمر في غاية الأهمية، وإذا لم يلحظ طالب العلم أدب شيخه لم ينتفع بمقاله، والسلف كانوا يتعلمون الأدب قبل العلم، فإذا أحرز الأدب نَبُلَ في العلم، وإذا لم يحرز الأدب لم يزده علمه إلا خسةً ونزولاً؛ فإذا جلس في مجلس ملأه، فإذاً اللحظ قبل اللفظ، وإذا عجز أن يكون مؤدباً فإنه لا ينبل بعلمه أبداً.
ثانيا مما يجب أن يتحلى به الداعية الإخلاص لله تبارك وتعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ) [البينة:5]، فقدم الإخلاص قبل العمل، إذ إن العمل لا قيمة له بغير الإخلاص.
وتحقيق الإخلاص عزيز لكنه ممكن، فالإخلاص إما أن يكون ركناً أو شرطاً، أو واجباً، على ثلاثة أقوال للعلماء، واتفقوا جميعاً أن العمل بغير الإخلاص لا قيمة له، كما قال الله عز وجل: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) [الفرقان:23]، وهو إذا كان ركناً أو شرطاً أو واجباً فلابد أن يكون يسيراً، إذ لو كان عسيراً لما فرضه الله عز وجل، قال الله تبارك وتعالى: ( وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج:78]. فالشيطان يريد أن يعكر عليك هذا الركن؛ لأن بفساده فساد العمل كله.فالعبد من خوفه على الإخلاص يظن أنه لم يخلص، فيشك.فإذا آتى الله العبد العلم فإن وسوسة الشيطان تزيده إخلاصاً على إخلاصه، أما من كان علمه قليلاً ضئيلاً يئس، والفارق بين الرجلين العلم.
ثالثا مما يتحص به الداعية: الثقة في وعد الله عز وجل: بل عليه أن يثق أن الله ناصره مهما خذله الناس، ومهما كان وحيداً فريداً، فإذا قرأ في القرآن : ( كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) [المجادلة:21]، فليعلم أنه غالب ما استقام على أمر الله عز وجل، فإذا قرأ قول الله عز وجل: ( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [يوسف:21]، فليعلم أنه متى استقام على أمره غلب ولو بعد حين، ولو كان وحيداً فريداً.
فالرجل إذا تصدر الدعوة إلى الله عز وجل وكان مستقيماً على أمر الله فليثق يقيناً بنصر الله عز وجل، ومن تمام ثقته بنصر الله عز وجل: ألا يعتمد قلبه إلا على الله، وييئس من نصر الجماهير له، ولا يزعجه قلة الأتباع إذا كان ذا منهجٍ مستقيم.
إذاً: متى استقام الداعية على أمره تبارك وتعالى نصره، ويجب عليه ألا يشك لحظة في هذه الثقة بالله تبارك وتعالى.إذا تسلح الداعية إلى الله عز وجل بهذين السلاحين الماضيين وضم إليهما العلم فقد أحرز كل عدة.إذاً: الإخلاص هو أول عدة الداعي إلى الله عز وجل.ثانياً: الثقة في وعد الله عز وجل بالنصر.ثالثاً: العلم.
رابعاً: الصبر: إن الداعية سيقابل أخلاقاً شتى: يقابل المبتدع، والزنديق، والكافر، والموالي له، ويقابل الولي والعاصي، سيقابل كل هذه الأنماط، ولا يجوز له أن يسوي بينها جميعاً في المعاملة، فمعاملة العاصي بخلاف معاملة الطائع، ومعاملة الزنديق والحاسد تختلف، إذا كان الداعية ضيق العطن لا يستطيع أن يعامل الناس كلٌ بنمطه سيفشل في دعوته،.
فالداعية ينبغي أن يكون عنده بدائل، فيكون عنده للعاصي طريقة، وللمبتدع طريقة، وللذي يرميه ويؤذيه بالكلام ويستهزئ به طريقة أيضاً؛ وهو أن يستخدم معه لغة التغافل، وألا يظهر له أنه فهم؛ لأنك لو أظهرت له أنك فهمته فقد ضيعت على نفسك الطريق الذي ستسلكه إلى قلب هذا الرجل.
أيها الداعية.. لا تنزل إلى مستوى من هو دونك؟
لو تسافه عليك رجل فاصبر، وإياك أن تنتصر لنفسك فتذم، حتى ولو كان الحق لك إذاً: عليك تقدير نفسك وعلمك وعقلك، ولا تنزل إلى مستوى من هو دونك، إذاً: عليك تقدير نفسك وعلمك وعقلك، ولا تنزل إلى مستوى من هو دونك، .
ذكر الذهبي في كتاب سير أعلام النبلاء في ترجمة وكيع بن الجراح رحمه الله قال: سب رجلٌ وكيعاً فدخل وكيع داره وعفر وجهه بالتراب، وخرج على سابه فقال له: (زد وكيعاً بذنبه فلولاه ما سلطت علي، ولو أني أطعت ربي لعصمني منك)، أراد أن يقول له هذا المعنى، فكأنه يقول: أنا المخطئ، ولذلك عفر وجهه بالتراب وخرج ليقول: سبني مرةً فلولا هذا الذنب الذي صرت أسيراً له لما تعرضت إلى هذا السب.
رأيت الذنوب تميت القلـوب وقد يورث الذل إدمانها
فترك الذنوب حياة القلـوب وخير لنفسك عصيانها
إذاً: أخطر شيء يهدد الإنسان هو الذنب، ووكيع تصرف بعلمه، ورجع إلى نفسه فذمها.
فالقصد أن الداعية إلى الله عز وجل ينبغي أن يضع الحكمة في موضعها، وألا ينزل في تعامله مع الناس إلى مستواهم: لو عامل الناس بمستواهم لتلون في اليوم ستين لوناً، مرة يصير لئيماً ومرة سافلاً، ومرة قبيحاً، ومرة طفيلياً.. فهذا لا يليق بالداعية أبداً، كيف سيعلم؟! فعامل الناس بمستواك وبما يليق بك ولا تنزل إلى مستواهم؛ فإن الله عز وجل جمع لك السلطان عليهم بأن جعل الدواء في يديك.
انتفاع الداعية بما عند غيره من علم لا يعد انتقاصاً له:جرب أن تعطي أذنك وقلبك لمحدثك تجد أنك لن تعدم فائدةً تخرج بها، لن تعدم فائدة تخرج بها إذا أعطيت أذنك وقلبك لغيرك من أهل الخير.