تصنيفات المقال:
الدعوة إلى الله
تاريخ النشر: 27 شعبان 1436هـ الموافق 14 يونيو 2015م
عدد الزيارات: 3718
القلب المقبل بعد أيام قليلة على بساتين الخير وواحات الطاعة وارفة الظلال في رمضان -بلغنا الله إياه-، القلب الذي يشكوا أكثرنا من قسوته في ذلك الشهر، ويتساءل في دهشة لماذا لا يخشع؟ ولماذا لا يشعر بمعاني القرآن الذي يتلى عليه؟! ولماذا لا يدفع بدمعات الخشية إلى عينيه؟ هذا القلب يحتاج إلى هدوء وسكينة، ويحتاج صاحبه إلى صدر سليم وعقلٍ واعٍ، وذهنٍ صافٍ مهيأ لاستقبال معاني المعجزة التي سيختم تلاوتها في هذا الشهر الكريم بإذن مولاه..
هل تأملت يومًا تلك المروحة التي تتوسط سقف غرفتك، أو أي غرفة من غرفات منزلكم العامر بعد أن أطفأتها؟ هل لاحظت أنها رغم إغلاقها تحتاج إلى وقت حتى تتوقف تمامًا؟
نعم.. إنه ذلك القصور الذاتي الذي يجعلها تستمر في الحركة لوهلة ثم تتباطأ رويدًا رويدًا حتى تهدأ أذرعها وتتوقف تمامًا، ماذا لو حاولت إيقافها أو تهدأة حركتها بالقوة، بينما هي لم تزل تدور بكامل سرعتها؟ سيحدث طبعًا نوع من أنواع الاصطدام العنيف بين اليد أو الأداة التي حاولت إيقافها، وبين ريشات المروحة المتسارعة، اصطدام ربما لا تحمد عقباه، وربما لا يتمكن من إيقاف حركة المروحة قبل أوانها..
كل جسم متسارع الحركة يحتاج إلى وقت حتى يهدأ، إلا أن يوقف بصدمة عنيفة لا تضمن مآلاتها
وكذلك القلب، ذلك العضو الذي تدور نبضات همومه وانشغالاته اليوم بسرعة رهيبة توازي سرعة الأحداث والاهتمامات، والمخاوف والمرجوات التي لا تهدأ أبدًا..
القلب المقبل بعد أيام قليلة على بساتين الخير وواحات الطاعة وارفة الظلال في رمضان -بلغنا الله إياه-، القلب الذي يشكوا أكثرنا من قسوته في ذلك الشهر، ويتساءل في دهشة لماذا لا يخشع؟ ولماذا لا يشعر بمعاني القرآن الذي يتلى عليه؟! ولماذا لا يدفع بدمعات الخشية إلى عينيه؟ دون أن ننتبه إلى أن السبب يرجع أساسًا إلينا وإلى تعاملنا مع (مروحة) المشاغل والهموم، والاهتمامات التي تدور بداخل ذلك القلب بشكل محموم..
كل منا يحتاج إلى أن تأتي عليه تلك اللحظة التي ينادي فيها المنادي: "يا باغي الخير أقبل" وقلبه في حالة أهدأ وأشد تركيزًا من حالته الآن! يحتاج إلى أن يقف في صلاة القيام متدبرًا معاني الذكر الحكيم الذي يتلوه أو يتلى عليه، يحتاج إلى أن يبكي من خشية الله وهو يلهج داعيًا إياه، بينما يتقلب في الساجدين..
لأجل ذلك يحتاج هذا القلب إلى هدوء وسكينة، ويحتاج صاحبه إلى صدر سليم وعقل واعٍ، وذهن صاف مهيأ لاستقبال معاني المعجزة التي سيختم تلاوتها في هذا الشهر الكريم بإذن مولاه.
ولكي يصل القلب إلى هذه الحالة الإيمانية ويشبع تلك الاحتياجات، لا بد له أن يبدأ من الآن لعل معدل تسارع همومه الدنيوية ينخفض تدريجيًا، حتى يصل إلى حالة السكينة والسلام الروحى المطلوب منذ أول ليلة عتق من ليالي رمضان، إن تلك الحالة المنشودة لن تتأتى إلا بانطلاقة مبكرة تحرر القلب شيئًا فشيئًا من هذا البحر متلاطم الأمواج، الكفيل بتحويل أرق القلوب إلى حجارة صلدة قاسية..
لا أقول ينعزل المرء عن قضايا أمته، أو يتدروش فيصير ممن قيل فيهم: "من لم يعنى بأمر المسلمين فليس منهم"، ولكني أتحدث عن القصد والتوسط ورسول الله يقول: «القصد القصد تبلغوا» (صحيح البخاري:6463)، أتحدث عن نصيب كل منا من قلبه الذي سيأتي يوم لا ينفعنا فيه إلا سلامة ذاك القلب {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [ق من الآية:88-89].
فلنبدأ من الآن..
اقتلع نفسك رويدًا رويدًا من مستنقعات المراء والشجار الذي لا يقدم أكثره ولا يؤخر، سواء ذلك الذي ترقبه عبر الشاشات، أو ذلك الذي تكون أنت طرفًا فيه، اكتف بمتابعة الحدث نفسه وافهمه بشكل موجز غير مخل، مما تثق به من المصادر مع المشاركة فيما تحتاجك فيه أمتك، قدر تلك الحاجة أما باقي الوقت فأنفقه في تهيئة قلبك بكل ما تستطيع.
أصلح علاقتك مع بيوت الله وجدد صحبتك مع سور كتابه العزيز، وحاول مراجعة حالك مع الخشوع والذكر، وابدأ في إزالة التراب من على مصحفك وإعادته إلى يدك، لا يكاد يفارقها هيا.. ماذا تنتظر؟
تلمس مروحة قلبك من الآن فلم يتبق الكثير وابدأ في تهدأته رويدًا رويدًا لعله يبلغ رمضان، وقد عمت على أرجائه السكينة وغشيته الرحمة، فأدرك هدية رمضان العظمى وهو سليم معافى، أدرك العتق! اللهم بلغنا رمضان وأعنا فيه على ما يرضيك عنا.