تصنيفات المقال:
التربية والأسرة المسلمة
تاريخ النشر: 25 جمادى الآخرة 1436هـ الموافق 15 أبريل 2015م
عدد الزيارات: 3209
الرؤيا والغيبة - للشيخ : ( أبو إسحاق الحويني ):-
قال الله تبارك وتعالى: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ * قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ )[يوسف:4-5].
هاتان الآيتان اشتملتا على جملة من الفوائد: وأعظم هذه الفوائد أو أظهرها هي الرؤيا، والرؤيا من المبشرات كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لم يبق شيء من النبوة إلا المبشرات»، فأثبت بهذا القول: بأن الرؤيا بشرى، وكما في حديث أبي قتادة في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان» وكذلك في الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه:«الرؤيا ثلاث: فالرؤيا الصالحة من الله، ورؤيا تحزين من الشيطان، ورؤيا يحدث المرء بها نفسه»، فكل ما يراه الإنسان في منامه لا يخرج عن واحدةٍ من هذه، الرؤيا الصالحة من الله، ورؤيا تحزين -أي: تهويل- من الشيطان، ورؤيا يحدث المرء بها نفسه.
الفرق بين رؤيا الصالح والكافر:
في صحيح البخاري : «الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة»، وفي هذا الحديث: الرؤيا الحسنة، وفي بعض الروايات الأخرى: «الرؤيا الصالحة..»، وفي رواية: «الرؤيا الصادقة ..»، وكلها بمعنى الرؤيا الحسنة. «من الرجل الصالح» قيد الصلاح هنا مهم؛ لأنه ورد في بعض الأحاديث: «الرؤيا جزءٌ من ستة وأربعين جزءاً من النبوة».
فهل رؤيا الكافر إذا صحت تكون جزءاً من النبوة؟الجواب: لا. لماذا؟ لدلالة هذا الحديث، لذلك كان هذا القيد مهماً. بعض الكافرين رؤياهم صحيحة، كالملك: (وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ) [يوسف:43] وهو كافر صحت رؤياه، ورؤيا هرقل ، لما رأى له صاحبه ظفر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم وأخذ ممالكهم، وهذا صح في صحيح البخاري ، وكان ذلك صحيحاً، فيقال: الرؤيا الصادقة جزء من النبوة، ويراها الرجل الصالح، فإذا رآها الكافر، لا تكون جزءاً من النبوة؛ لأن النبوة تشريف، فكيف يشرف الذي كفر بها أصلاً؟! وهذا القيد ومثله في الأحاديث ينبغي اعتباره؛ لأننا إذا أهملنا مثل هذا القيد، دخل تحته مثل هذه الجزئيات التي لا تقررها الشريعة، ففي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث، ولد صالح يدعو له ...»، فذكر الصلاح هنا دل على أن الولد الفاسد لا يستجاب له، ولا ينتفع الوالد بالولد الفاسد لا في الدنيا ولا في الآخرة، فمجيء هذا الولد وبال عليه في الدنيا والآخرة، فإذا دعا الولد الفاسد لأبيه لا يستجاب له. فلأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: الولد الصالح..، وقيد الولد بالصلاح، ووصفه بالصلاح، دل هذا على أن الفاسد ليس كذلك.
الرؤيا قد تتحقق في الواقع.
قد تقع الرؤيا كما رئيت وتتحقق في الواقع، كرؤيا النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل غزوة أحد، قال: «رأيتُ أنني في درعٍ حصينة، هززت سيفي فانقطع رأسه، ورأيت بقراً تنحر والله خير..» فاقترح عليهم النبي عليه الصلاة والسلام أن لا يهاجمهم، قال: نبقى في المدينة ، فإن هاجمونا صددناهم، فقالوا: والله يا رسول الله ما دخلوها علينا في جاهلية، أفيدخلونها علينا في الإسلام؟! قال: فشأنكم إذاً؛ فلما خرجوا من عنده لام بعضهم بعضاً وقالوا: رددنا على النبي صلى الله عليه وسلم رأيه، فرجعوا إليه، قالوا: يا رسول الله ما ترى؟ وكان قد لبس اللأمة، واللأمة هي درع الحديد يلبسها المقاتل في القتال يتقي بها ضربات السيف، فقال عليه الصلاة والسلام:«إنه لا ينبغي لنبي إذا لبس لأْمَتَه أن يضعها حتى يقاتل». فأول النبي صلى الله عليه وسلم سيفه الذي انقطع بمقتل رجلٍ من أهله، فكان حمزة ، وأول البقرة التي تنحر: بنفرٍ من أصحابه يقتلون، فقتل سبعون. لذلك قال: والله خير. فرأى هذه الرؤيا فوقعت كما رأى فليس قلب الرؤيا بالعكس ضابطاً من ضوابط التأويل، لا. لكنها تحتاج إلى عالمٍ ناصح.
آداب الرؤيا الصالحة والمكروهة:
الرؤيا الصادقة لها آداب، والرؤيا المكروهة لها آداب.. إذا رأيت الرؤيا تحبها فاحمد الله وبشر بها من تحب، وإذا رأيت الرؤيا تكرهها، فتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فإنها منه، ثم ابصق عن يسارك ثلاثاً إذا انتبهت من نومك، ولا تحدث بها أحداً أصلاً؛ فإنها لا تضرك، ثم قم فصل وتحول عن جنبك الذي كنت نائماً عليه، وقد ورد هذا في حديث أبي سعيد الخدري عند البخاري ومسلم : «وإذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها، فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وليبصق حين يفزع من نومه عن يساره ثلاثاً، ولا يحدث بها أحداً؛ فإنها لا تضره». وفي صحيح البخاري قال: «ثم يصلي ويتحول عن جنبه الذي كان عليه»..
ما هو الضابط بين الحلم وبين الرؤيا؟. الرسول عليه الصلاة والسلام قال: «الرؤيا الصالحة من الله» وقال: «إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها»، ولا شك أن ما يراه الإنسان من تلاعب الشيطان به من جملة ما يكره، فإن كان الأمر كذلك، فكيف قص ابن عمر رؤياه التي يكرهها على الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يكتمها، ولم يبصق عن يساره ثلاثاً؟.
الضابط ما بين الرؤيا التي تدخل في جملة الرؤيا الصالحة وتكون في النذارة، وما بين الرؤيا التي لا ينبغي أن يقصها المرء أصلاً.
أن الرؤيا التي لا ينبغي أن يقصها المرء أصلاً: هي التي لا منفعة منها، كما في حديث جابر بن عبد الله الأنصاري في صحيح مسلم، جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت رأسي قطعت وأنا أتبعها، رأسه قطعت وتطير أمامه، وهو وراءها يريد أن يأخذها- فقال عليه الصلاة والسلام: «لا يحدث أحدكم بتلاعب الشيطان به».
ترى مثلاً أنك تهبط من جبل عالٍ أو أنت تطير وهناك شيطان يطير وراءك، أو نسر يطير خلفك، وبعد أن ينتبه الإنسان من نومه ويجد نفسه على السرير يحمد الله، فهذه الرؤيا من الشيطان، ولذا قال له الرسول عليه الصلاة والسلام: لا تقصها إذا أصبحت؛ لأنها من تلاعب الشيطان. إذا رأى الرجل شيئاً من النار، عذاب النار، أو مشتقات النار، وألقي في روعه أن هذا من حيات النار مثلاً أو من ثعابين النار فعليه أن يطلب التأويل، أما إذا رأى رأسه تطير وهو يطير وراءها، فأي شيء في ذلك؟!وضابطٌ آخر ذكره العلماء وهو إذا كان المرء يعلم أنه من الصالحين، بأن يقوم بما افترض الله عليه ظاهراً، ويجتهد في تصحيح نيته؛ فإذا رأى ما يكره فليقصها على عالمٍ أو ناصح، فإن هذه أيضاً تدخل من جملة النذارة؛ أما إذا علم المرء من نفسه تقصيراً فيما فرض الله عليه، وعدم تصحيح لنيته فهذا من تلاعب الشيطان به.
ضابط في الغيبة:
إذا كان الكلام على جهة التعريف بالأشخاص فلا مانع، أما إذا كان على جهة التنقيص فلا يجوز، ومن هنا نجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: « ما فعل القوم الجعد القصار»، وبين قول عائشة رضي الله عنها: «حسبك منها أنها قصيرة» السيدة عائشة رضي الله عنها خرجت الكلمة منها على جهة التنقيص، لذلك كانت حراماً وكانت غيبة، إذا لا مصلحة من ذكر أنها قصيرة، بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم: «ما فعل القوم الجعد القصار»، فإنه جرى مجرى التعريف لهم، لكن إذا خرجت من التعريف إلى التنقيص أو التحقير كان غيبة؛.